بقلم: سليمان جودة
كنت منذ فترة قد رأيت الشيخة مى آل خليفة فى البحرين، ولم أكن فى حاجة إلى جهد كبير لأرى مدى ألمها مما يجرى للأهل فى قطاع غزة.
أذكر أنها قضت سنوات على رأس وزارة الثقافة البحرينية، وأنها أطلقت فى ٢٠٠٢ مبادرة «الاستثمار فى الثقافة»، وكان الهدف أن يلتقى القطاعان، العام والخاص، على الاستثمار فى المشروعات الثقافية ذات التأثير الممتد فى الوجدان العام.
وكانت قد جمعت بين الدراسة السياسية، عندما درست الماجستير فى التاريخ السياسى فى جامعة شيفيلد البريطانية، وبين العمل الثقافى الذى مارسته مرتين: مرة عند وجودها على رأس الوزارة، ومرة أخرى عندما تركت الوزارة وصارت تعمل من خلال مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث.. وفى الحالتين لا يسعدها شىء قدر أن تجد عملًا ثقافيًّا يتجسد فى كيان حى أمام الناس.
من ذلك، أنها سعت عام ٢٠١٨ لدى المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم، الشهيرة بـ«اليونسكو» فى باريس، لتحتفى بالفن الإسلامى، وقد استجابت المنظمة بالفعل فى ٢٠١٩ وتقرر أن يكون يوم ١٨ نوڤمبر من كل عام يومًا عالميًّا للفن الإسلامى.
وهى لا تنسى أن مركز الشيخ إبراهيم استضاف ذات يوم المؤرخ اليهودى إيلان بابيه، الذى وضع ما يقرب من ٢٠ كتابًا حول فلسطين وإسرائيل، والذى يفرق تمامًا بين اليهودية كديانة سماوية شأنها شأن المسيحية والإسلام، وبين الصهيونية كحركة سياسية استعمارية عنصرية يتحرك الإسرائيليون على هداها، ويستولون باسمها على أرض فلسطين دون وجه حق.. وكان «بابيه» قد نشر مقالًا فى صحيفة «الجارديان» البريطانية خلال شهر مايو، وكان قد روى فيه أنهم أوقفوه فى مطار ديترويت الأمريكى واستجوبوه، لا لشىء، إلا لأنه يرى أن ما ترتكبه إسرائيل فى غزة إبادة جماعية، وأن فلسطين يجب أن تكون حُرة.. وكان قد ذهب يقول ذلك وسواه أمام جماعة «أصوات يهودية من أجل السلام» فى ولاية ميتشيجان الأمريكية.
يفرق «بابيه» بين هذا وذاك، وكان مما همس به للشيخة مى، بعد أن ألقى محاضرته فى المركز، أنه مندهش لعدم قدرة العرب على تأسيس متاحف فى عواصم العالم تحكى تفاصيل النكبة فى فلسطين.. يدهشه ذلك جدًّا ولا يفهمه ولا يستوعبه، خصوصًا أن الإسرائيليين فى المقابل قد أسسوا ما يروى تفاصيل الهولوكوست فى أكثر فى متحف!. هذه فكرة لا تعرف كيف غابت عن الفلسطينيين رغم أن عُمر النكبة قد جاوز السبعين عامًا!.. وإذا كانت جامعة الدول العربية ترغب فى أن تُسدى خدمة جليلة للقضية فى فلسطين، ففى مقدورها أن تتبنى هذه الفكرة التى ألقاها المؤرخ «بابيه»، وأن تحوّلها إلى كيان حى فى أكثر من عاصمة حول العالم.. وعندها ستكون جامعة الدول قد قدمت للقضية ما يظل يذكرها به الناس.