بقلم: سليمان جودة
كنت أتحدث قبل أسابيع قليلة مع المهندس إبراهيم محلب، فوجدته يتأهب للذهاب إلى المستشفى بسبب عارض صحى أصابه.. وبعدها بأيام، تكلمت معه، فوجدته في المستشفى يقاوم، وفى الحالتين كان الإرهاق باديًا في نبرات صوته، ومع ذلك، كان حريصًا على ألا يخبر أحدًا، وكان متمسكًا بأن يجعل من مرضه أمرًا يخصه وحده ولا يخص سواه.
ولأن محلب رجل مهندس في الأساس، ولأن ملعبه هو الميدان العملى في كل مكان، فما يتعبه ليس المرض في حد ذاته، ولكن يتعبه البقاء في البيت، ويرهقه الاضطرار إلى الانتظار في الفراش، وينال من نفسيته ألّا يظل في مكان العمل يجرى، ويسعى، ويتحرك.
وقد تكرر الشىء نفسه مع الفنان فاروق حسنى، وعرفت بالمصادفة أنه في المستشفى، وأنه ينتظر رأى الطبيب ليخرج على الفور ويغادر.
ولأن فاروق حسنى رجل فنان في الأصل قبل أن يكون وزيرًا، ولأن أداته هي الفرشاة وحدها، فهو يعمل واقفًا بكامل هيئته، ويبدع لوحاته وهو يتحرك أمامها ويتخيلها من قريب ومن بعيد، لعلها إذا اكتملت نالت إعجاب جمهور الفن العريض.
كان في إمكان المهندس محلب أن يسرب خبرًا إلى الصحف، كما يفعل كثيرون إذا أصابتهم نزلة برد، وكان في مقدور فاروق حسنى أن يفعل الشىء ذاته، وكان المحبون لهما في الإعلام مستعدين للنشر والاهتمام. ولكنهما لم يفعلا، وكلاهما فضل أن يواجه الطارئ الصحى بمفرده، وبغير الذهاب إلى ما قد يتصوره بعضنا على أنه استجداء عطف لدى الناس.
ما نعرفه عن محلب أن طبيعته تجعله أبعد الناس عن ممارسة شىء من هذا النوع، وما نذكره عن سنوات فاروق حسنى على رأس وزارة الثقافة أنه رجل صاحب إحساس، وأنه من شدة إحساسه قد عرض الاستقالة من منصبه عدة مرات وفى مناسبات مختلفة، لولا أن صاحب القرار وقتها أثناه عما كان يريده وطلب منه البقاء كما هو في موقع العمل.
كلاهما خدم هذا البلد، وكلاهما فعل ذلك فيما أظن بأمانة وإخلاص، وكلاهما مضى عن المنصب، ثم بقى يعتبر نفسه جنديًّا في موقع الخدمة.