بقلم : سليمان جودة
آخر الأفكار المجنونة، التى أعلنها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أنه سوف يلغى وزارة التربية والتعليم فى الولايات المتحدة!.ورغم أن الفكرة لا تختلف، فى جنونها، عن بقية أفكاره التى يستيقظ عليها العالم كل صباح، إلا أنك إذا قرأت شيئا من تفاصيلها المنشورة ستكتشف أنها لا تخلو من وجاهة، وأن ترامب لا يقرر إلغاء الوزارة لمجرد الرغبة فى الإلغاء، أو لمجرد الرغبة فى الانقلاب على ما يجده أمامه من إدارات سابقة على إدارته.
لقد وصف وزارة التعليم بأنها «خدعة» وقال إن السبب أن بلاده تحتل المرتبة رقم ٤٠ فى جودة التعليم عالميا، لكنها تحتل المرتبة الأولى فيما تنفقه على التعليم فى مدارسها، وبالتالى، فالوزارة المعنية ليست سوى خدعة للأمريكيين!.
وهو بهذا الكلام يتحدث عن الشىء الأهم فى التعليم فى أى بلد، لأن المسألة فى التعليم ليست فى مجرد الإنفاق العالى عليه، وإلا، فإن أى دولة يمكن أن تنفق الكثير على تعليمها، ثم لا تكون الحصيلة فى النهاية على قدر ما جرى إنفاقه من أموال.
وهذا نفسه هو ما كان مدير البنك الدولى قد قال به قبل سنوات فى إحدى دورات القمة العالمية للحكومات فى دبى. لكنه يومها لم يكن يتكلم عن الولايات المتحدة، وإنما كان كلامه عن منطقتنا العربية، وكان يقول بالضبط ما يقوله ترامب اليوم، وكان يلفت انتباه القائمين على أمر التعليم فى المنطقة عموما إلى أن التعليم ليس مجرد إنفاق، حتى ولو كان هذا الإنفاق عاليا فيما يخصصه لبند التعليم فى الميزانية.
ولو أرادت أى حكومة أن تسترشد فى هذا الموضوع، فلن تجد أفضل من الحكومة فى فنلندا لأنها لاتزال تقدم التعليم الأعلى مستوى عالميا، رغم أنها ليست صاحبة الإنفاق الأعلى على تعليمها.. وفى أكثر من سنة كانت فنلندا تقف على رأس الدول فى مؤشر السعادة الذى يعلن عن تصنيفاته للدول فى هذا الشأن سنويا.. فكأن هناك علاقة طردية بين التعليم الجيد وبين سعادة الإنسان الذى يتلقى هذا التعليم. وربما تكون صيحة ترامب فى بلاده جرس إنذار لبقية الحكومات حول العالم، لعلها تقيس ما تنفقه فى تعليمها على ما تحققه من نتيجة فى الآخر.. فالعبرة ليست بأن يذهب الطالب إلى مدرسته ثم يعود منها، لكن العبرة بما يحصل عليه هناك.
إلغاء وزارات التعليم ليس هو الحل طبعا، وإنما الحل هو مراجعة الطريقة التى تعمل بها كل وزارة مماثلة للوزارة الأمريكية، وإلا، فإننا نصبح كمَنْ يتبنى إلغاء رحلات الطيران بسبب حادث تتعرض له طائرة!.