بقلم: سليمان جودة
لفت انتباهى أن وزارة الداخلية تمكنت خلال ساعات معدودة من ضبط المستشار المتهم بقتل زوجته المذيعة، رغم أنه كان يتنقل بين أربع محافظات، ورغم أنه أخرج شرائح هواتفه وأتلفها إمعانًا في التخفى!.. ومن قبل كانت أجهزة الوزارة ذاتها قد فعلت الشىء نفسه تقريبًا مع المتهم الذي قتل خفير الشيخ زايد وابنتيه وحفيديه، ثم راح يتحرك في مليون كيلومتر مربع هي مساحة البلد!.
وفى واقعة الشاب الذي قتل والده وأشقاءه الأربعة وأصاب والدته في إحدى محافظات الصعيد، حققت الداخلية النجاح نفسه الذي حققته في واقعة المستشار والمذيعة، وفى واقعة خفير الشيخ زايد.. وهذه الوقائع الثلاث التي جرت فيما لا يزيد على الشهر الواحد ليست سوى عينة من بين أمثلة أخرى كثيرة لمن شاء أن يبحث ويتقصى.. لعله يرى الصورة على بعضها!.
والصورة هي بحث جنائى نشط في الوزارة، وهى فكر أمنى عصرى، وهى عمل جماعى قادر على أن يطور نفسه في مواجهة أساليب الجريمة التي تتفنن في اختراع الجديد كل يوم!.
وإذا كان هذا هو حجم التطور الحاصل في وزارة الداخلية على هذا المستوى، فلابد أنه يمثل رادعًا من نوع ما بالنسبة للذين يفكرون في ترويع الناس، ثم يتصورون أن في مقدورهم الإفلات من قبضة الأجهزة المسؤولة عن ملاحقة الجريمة ومطاردة المجرمين!.. ولكن ما أتحدث عنه يظل جانبًا واحدًا من الموضوع، لأن للموضوع جانبًا آخر يقع في عهدة وزارات ومؤسسات أخرى بخلاف الداخلية وأجهزتها المختصة!.
هذا الجانب الآخر يقول إن مسؤولية هذه الوزارة المعنية بالأمن في البلد إنما تبدأ في مثل هذه الحالات التي ذكرتها عند وقوع الجريمة.. أما ما قبل وقوعها، خصوصًا إذا كانت جرائم تبدو طارئة على طبيعة مجتمعنا وغريبة عليه، فمسؤوليتها تظل في رقبة وزارات أخرى، تقوم بحكم طبيعتها على عملية كبيرة اسمها بناء الإنسان!.. وفى المقدمة من الوزارات التي أعنيها وزارة «التربية» والتعليم، التي تنسى وننسى معها أن كلمة التربية تسقط من مسماها في الكثير من الأحيان، رغم أن المسمى يقدمها على التعليم نفسه، ورغم أن هذا التقديم لكلمة على كلمة لم يتم مصادفة، وإنما جرى عن قصد وعن عمد يوم أن وضعنا اسمًا لهذه الوزارة!.
وإذا ما تغافلت وزارة مثل التربية والتعليم عن القيام بمهمتها مكتملة، فإن ذلك يرهق وزارة الداخلية في المحصلة الأخيرة، ويضع على كاهلها ما يكاد يفوق طاقتها!.