بقلم - سليمان جودة
رغم أن ياسين أقطاى مواطن تركى لحمًا ودمًا، ورغم أنه مستشار حزب العدالة والتنمية التركى الحاكم، إلا أنه يتحدث العربية كأهلها ويعرف العامية المصرية كأنه نشأ فى حارة من حارات مصر القديمة!.
ولأنه كذلك، ولأنه كان قد نشط طوال الفترة الماضية فى ممارسة نوع من الغزل السياسى مع القاهرة، ولأنه مُقرّب من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.. لأنه ذلك كله وغيره.. فلقد كان عليه عندما يتحدث فى موقف تركيا الجديد من جماعة الإخوان أن يختار عباراته وأن ينتقى كلماته، حتى يصدقها المصريون الذين يسمعونها منقولة عنه فى وسائل الإعلام!.
مما قاله مثلًا أن حكومة بلاده لم تكن تعرف أن فى البرامج التليفزيونية السياسية الإخوانية محتوى يخالف مواثيق الشرف الإعلامية، وأن حكومة العدالة والتنمية فى أنقرة لم تكن تتابع هذه البرامج التى تقدمها قنوات الإخوان من فوق الأراضى التركية، إلى أن تلقت من الحكومة المصرية ما جعلها تنتبه إلى محتوى البرامج السياسى غير اللائق سياسيًا وأخلاقيًا!.
هذا كلام لا تعرف كيف ارتضى أقطاى لنفسه أن يقوله، وكيف تصور أن القارئ سوف يصدقه، ثم كيف تخيل أن كلامًا كهذا سوف ينطلى على أحد؟!.
ما لم يذكره المستشار أقطاى أن أردوغان فى مرحلة سابقة كان يرى مصلحته العملية فى رعاية الإخوان، وفى احتضان رموز فى الجماعة، وفى إتاحة الفرصة أمامها لبث قنوات تليفزيونية تتولى من خلالها الترويج لنفسها من داخل تركيا ومن فوق أرض تركية.. كان أردوغان يرى هذا منذ أن قفز الإخوان على الحكم منتصف ٢٠١٢، وربما من فترة سابقة على ذلك إلى ثلاثة أيام مضت!.
من ثلاثة أيام رأى حاكم تركيا أن مصلحته العملية ذاتها هى فى التقارب مع القاهرة، فلم يجد أى حرج فى أن يعلن ذلك صراحةً لقيادات الجماعة الموجودة فى بلده، ولم يجد حرجًا فى أن يخيّرهم بين الالتزام بطبيعة المرحلة الجديدة، وبين إغلاق القنوات ومغادرة البلاد!
يرحم الله جمال البنا، الذى قال ذات يوم إن جماعة الإخوان لا تتعلم ولا تنسى.. قالها جمال البنا شقيق حسن البنا، مؤسس الجماعة، لعل الجماعة تتعلم ولعلها تنسى.. ومع ذلك فلا تزال كما هى لا تتعلم ولا تنسى، ربما لأن الطبع يغلب التطبع!.