بقلم - سليمان جودة
توزعت حياة الدكتور رؤوف غبور بين هواية القراءة والكتابة، ودراسة الطب، والاشتغال بالتجارة.. وعندما يراجع مشواره فى مذكراته يصل إلى يقين فى أنه كان لا بد أن يكون تاجرًا!.. ولا بد أن نجاحه فى التجارة راجع إلى أصوله الشامية، فلا يزال الشوام أشطر التجار!.
ولأن «الديك الفصيح يطلع من البيضة يصيح»، فإن غبور بدأ التجارة وهو تلميذ فى سن السابعة، وكان رأسماله ١٥ قرشًا، وعندما اكتشف أن رأسماله لا يكفى، اقترض ١٥ قرشًا أخرى من خادمة فى بيتهم، وذهب يشترى الحلوى ويبيعها لزملائه التلاميذ ويكسب!.
ومن رأسمال هذا هو حجمه فى بداية الستينيات، إلى طالب متخرج فى طب عين شمس عام ١٩٧٦ وفى جيبه نصف مليون جنيه ثروة شخصية، إلى حجم أعمال سنوى فى ٢٠٢٢ وصل إلى ٣٠ مليار جنيه!.. ولا يزال الرجل يعمل بالشهية نفسها التى خرج بها يتاجر فى الحلوى مع الزملاء التلاميذ.. إننا نمسك الخشب طبعًا، وندعو له بالصحة، ونتمنى أن يكون حجم أعمال السنة المقبلة مضروبًا فى اثنين!.
وإذا كان لأحد حصة فى هذه المذكرات الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، فهذا الأحد هو المهندس صلاح دياب، الذى أغرى صاحبها بكتابتها لسببين، أولهما أنها تجربة ملهمة لكل شاب يطالعها فيكتشف أن فى مقدوره أن ينجح مثلما نجح غبور بادئًا من الصفر بالمعنى الحرفى للكلمة، ثم صار يُشار إليه بالبنان فى دنيا المال والأعمال!.. والسبب الثانى أن المذكرات فرصة لإعادة التأكيد على أن رجل الأعمال يمكن أن يكون شريفًا وناجحًا فى ذات الوقت، وأن الصورة التى جرى ترويجها لأصحاب الأعمال منذ عمليات التأميم ليست صحيحة، وأنها جنت على البلد كله فى الإجمال!.
كان يخلص فى عمله فى كل وقت، وكان الرب معه يساعده ويوفقه، وكانت إحدى يديه فى البزنس، والأخرى فى العمل الخيرى، وكانت زوجته «علا» هى هذه اليد الأخرى، يرحمها الله!.
والمذكرات ليست مكتوبة بقلمه فقط، ولكنها مكتوبة بأقلام أولاده الثلاثة «كمال» و«دينا» و«نادر»، الذين كتبوا شهادات دافئة فى رؤوف غبور، الأب والإنسان.. ومكتوبة أيضًا بأقلام بعض أصدقائه المقربين، وفى المقدمة منهم رجل الإعلام طارق نور، الذى يصفه فيقول: طموحه عالمى وخبراته أكبر من سنه بكثير!.. ورجل البنوك محمد نجيب الذى يقول عنه إنه علامة مميزة فى عالم الأعمال!.. ورجل البنوك حسن عبدالله، الذى يراه قادرًا على تحويل كل ظرف صعب إلى قصة نجاح!.
غبور يوصى بلده بخلاصة تجربة عمرها ٧٠ سنة.. والخلاصة عنده تقول إن بلدًا إذا أراد المكانة بين الأمم، فالطريق إلى ذلك أن تكون الأولوية فى الإنفاق وفى الاهتمام لثلاثة ملفات لا رابع لها: الصحة والثقافة والتعليم !.. هذه وصية رجل مجرب مع ما نعرفه فى أمثالنا الشعبية من أن علينا أن نسأل المجرب قبل أن نسأل الطبيب!.