بقلم: سليمان جودة
لا تكاد تصدق أن هنرى كيسنجر قام من مكانه في الولايات المتحدة الأمريكية، وأخذ الطائرة المتجهة إلى الصين، وبالفعل وصل العاصمة بكين، ثم ظهر من هناك وهو يجلس مع الرئيس الصينى شى جينبينج ويناقشه فيما بين البلدين من قضايا.
فالرجل وصل المائة من العمر في ٢٧ مايو الماضى، وهو الآن يقطع السنة الأولى بعد المائة، ومع ذلك فهو يجد عنده من الهمة ما يجعله يطير بين أمريكا والصين وكأنه شاب في الثلاثين!.
ليس هذا وفقط.. ولكنه هو نفسه كان قد قام في ١٩٧١ بين البلدين بما يشبه ما يقوم به بينهما في ٢٠٢٣، ومع كل ما يمكن أن يكون قد طرأ على العالم من تغيرات على طول المسافة بين التاريخين.
إن رجلًا في مثل عُمره لا يقوى على الحركة داخل بيته، أو أن هذا هو الظن، وإذا خرج من البيت لخطوات فسوف يحسده الجيران، ومع ذلك، فهو يقطع الآلاف من الأميال ليطفئ بعضًا من نار الصراع بين بلاده والصينيين، كما كان في ١٩٧١ قد أذاب الجليد بين الطرفين!.. وربما كان هذا هو السبب الذي جعل الرئيس شى يقول وهو يستقبله، إن ما بين الولايات المتحدة والصين يحتاج إلى حكمة كيسنجر وشجاعة نيكسون!.
والرئيس الصينى يقصد أن كيسنجر وقت أن كان وزيرًا لخارجية الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، مطلع سبعينيات القرن الماضى، قد امتلك من الحكمة ما استطاع بها أن يذيب الجليد بين البلدين، وأن نيكسون في المقابل قد امتلك الشجاعة الكافية عندما زار الصين.. ولم تكن الزيارة لتتم لولا أن كيسنجر قد سبق بتمهيد الطريق أمام ساكن البيت الأبيض!.
ولا بد أن كيسنجر لا يزال يثير الإعجاب وهو في السنة الأولى بعد المائة، بمثل ما كان قد أثاره في سن الشباب من قبل.. لا يزال يثير الإعجاب بهذه الهمة العالية، والعقل المتقد، والفكر اليقظ.. رغم أن هناك مَنْ يرى أن محاكمته واجبة على ما أشار به على الإدارات الأمريكية المتعاقبة من سياسات.. ولكن هذه قضية أخرى لها سياق آخر.
أما أغرب ما قيل فهو كلام المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، عن أن كيسنجر يزور الصين باعتباره مواطنًا أمريكيًا عاديًا، ولا يمثل الإدارة الأمريكية في شىء.. وهذا كلام لا يقال في الحقيقة إلا لأطفال.