بقلم : سليمان جودة
رغم كل مباريات تنس الطاولة التى شهدها العالم منذ أن كان هناك شىء اسمه تنس طاولة، إلا أن مباراة واحدة هى التى حجزت مقعدها فى كتاب تاريخ هذه اللعبة.
كانت هى المباراة التى لعبها فريق أمريكى مع فريق صينى فى إبريل 1971، ولم تكن مباراة من النوع العادى، لأنها كانت مباراة سياسية أكثر منها رياضية، وكان هنرى كيسنجر هو الذى فتح الطريق أمامها، وكان الهدف بعدها أن يزور الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون العاصمة الصينية بكين، وأن تكون زيارته بداية لإعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين.
شىء من هذا تجده فى المكالمة التليفونية التى جرت بين الرئيس الأمريكى ترامب والرئيس الروسى بوتين ودامت أكثر من ساعتين.. وإذا كانت المباراة فى السابق عنوانًا لما سُمى دبلوماسية التنس، فمن الممكن أن تكون المكالمة بين الرئيسين نوعًا من دبوماسية الهاتف.
لقد جرت العادة على أن الاتصالات الهاتفية بين رؤساء الدول لا تستغرق إلا دقائق معدودة، ولم نسمع من قبل عن مكالمة بين رئيسين استمرت لأكثر من ساعتين، فإذا كان الطرفان يجلسان على رأس الولايات المتحدة وروسيا معًا، فلا بد أن فيها ما يهم العالم على اتساعه ويتعلق بشؤونه المضطربة.
وقد بلغت أهمية المكالمة لدى الجانبين إلى حد أن الإعلام أشار إليها قبل إجرائها بيومين كاملين، وهذا أيضًا مما أضفى عليها أهمية مضافة، وجعل المتابعين فى أنحاء العالم يترقبونها بالكثير من الاهتمام.
فمن قبل عشنا نسمع أن مكالمة جرت بين اثنين من الرؤساء هنا أو هناك، ولم نسمع أن مكالمة ستجرى بين رئيسين، وأنها ستكون بعد يومين!.. والظاهر أنها صارت بديلًا عن اللقاء الذى قيل إنه سينعقد بينهما ثم انحسرت أخباره واختفت.
ولأن الحرب الروسية الأوكرانية كانت هى الأساس الذى دار حوله الاتصال، ولأن وقفها كان هدفًا للرئيس الأمريكى منذ أن كان مرشحًا فى السباق إلى البيت الأبيض، فالرئيس الأوكرانى زيلينسكى كان أشد الناس تشوقًا لمعرفة ماذا جرى بين الرجلين، ولكن أحدًا لم يتطوع ليروى ظمأه إلى المعرفة!.
لا يمكن بطبيعة الحال أن يقضى الرئيسان ساعتين يبحثان فقط عن طريقة لوقف الحرب التى دخلت عامها الرابع فى 24 من الشهر الماضى، ولذلك فإن فى الاتصال بنودًا أخرى، ولا بد لنا أن نتصور طبيعة البنود التى دار حولها الكلام طوال ساعتين بين رئيس أمريكى هو تاجر بطبعه، وبين رئيس روسى هو رجل مخابرات بالفطرة والنشأة.