بقلم - سليمان جودة
لا يوجد ما هو أشهر من كتاب «الأمير»، الذي لما انتهى الإيطالى مكيافيللى من تأليفه أهداه إلى لورنزو الثانى، أحد حكام أسرة آل ميديشى في إيطاليا!.. كانت هذه الأسرة من أشهر الأسر التي حكمت في أوروبا في القرن السادس عشر، وكان مكيافيللى قد عاش في الربع الأول من ذلك القرن، وقد غادر الدنيا في عام ١٥٢٧، وهو دون الستين، ولم يكن يعرف أن كتابه المنشور بعد رحيله سيعيش قرونًا من الزمان!.
ومما قاله، وهو يهدى كتابه إلى الأمير لورنزو الثانى، أن الأمير يتلقى الكثير من الهدايا بالتأكيد، وأن هذه الهدايا مادية كلها، وهى هدايا قد تكون ذهبًا، أو خيولًا، أو ما هو أغلى من الذهب والخيول.. ثم يقول بعد ذلك في إهدائه إنه لا يملك أشياء كهذه ليهديها إليه، ولكن يملك عددًا من النصائح سوف تفيده في الحكم!.
ومن بين نصائحه أن رؤية أي أزمة من بعيد تجعل حلها أمرًا سهلًا، وأن استشراف الأزمة عن بُعد يجعل التعامل معها في الإمكان.. أما بعد ظهورها، وأما بعد أن تصبح ماثلة أمام العيون، فإن ذلك ينقلها إلى مربع آخر، وهو مربع تستعصى فيه الأزمة على الحل، الذي لا يعود متاحًا أو سهلًا كما كان في مرحلة سابقة، ومن الوارد أن تتحول إلى معضلة من المعضلات!.
ولم تكن هذه هي النصيحة الوحيدة طبعًا لأنه قدم معها الكثير من النصائح، ليس للحاكم في زمانه وفى بلده فقط، ولكن لكل حاكم يأتى على رأس أي بلد فيما بعد.. ومن بين نصائحه راح يقدم نصائح سلبية كثيرة جنَت على العديد من الشعوب والبلاد والحكام!.. والغريب أن نصائحه السلبية هي التي اشتهرت من كتابه، أما الإيجابية التي هي من نوعية استشراف الأزمات، أو قراءة بوادرها في وقت مبكر، فلقد بقيت تقريبًا في مكانها على صفحات الكتاب، ولم يشأ أحد أن يأخذ بها إلا قليلًا!.
كان ينصح على سبيل المثال بتشخيص أسباب أي أزمة أو قضية أو مشكلة إذا ما ظهرت أمامنا، وكان يرى أن ذلك يقطع نصف الطريق إلى احتوائها والقضاء عليها، وأن عدم تشخيص الأسباب مسبقًا لا تكون نتيجته إلا تضييع الكثير من الوقت، ومن الجهد، ومن المال!.. فهل كان نظام حكم الخمينى في إيران يدرك ذلك، عندما أنشأ بعد مجيئه إلى الحكم في سنة ١٩٧٩ مجلسًا سماه: مجلس تشخيص مصلحة النظام؟!.
ربما.. ولكن الحوار الوطنى الذي يجرى منذ أن أطلقه الرئيس في رمضان هو فرصة لا تتكرر كثيرًا للأخذ بأغلى نصيحتين أهداهما الكتاب إلى كل حاكم في كل زمان!.