بقلم - سليمان جودة
نقطة البداية أن نعترف بأن لدينا أزمة متعددة الوجوه، فإذا اعترفنا بذلك كان علينا أن نذهب إلى تشخيصها، ومن بعد التشخيص سوف تأتى مرحلة العلاج، وسوف تكون هى آخر مرحلة تحملنا إلى مستقبل نستحقه.. والمشكلة أننا إلى اللحظة نكاد ننكر وجود أزمة، وهذه مشكلة كبيرة فى حد ذاتها، لأن معناها ألا نصل إلى مرحلة التشخيص، ثم إلى مرحلة العلاج كمرحلة ثالثة لا بد أن تسبقها مرحلتان.
وحتى لا نتكلم فى فراغ تعالوا نضرب مثالًا.. وهذا المثال هو الإعلام الذى تعاملنا معه على مدى سنوات ماضية بطريقة لا تتيح المساحة المعقولة من الحرية فى التعبير عن مختلف الآراء.. فماذا كانت النتيجة؟!.. النتيجة أننا أعطينا الفرصة لإعلام يعمل وفق غرض خارج الحدود، والنتيجة أننا فتحنا له نافذة لا يستحقها، والنتيجة أن بيننا كثيرين يتابعونه ويستمعون إليه، ليس عن حب له ولا عن اتفاق مع ما يقوله، ولكن لأنهم يرغبون فى سماع ما هو مختلف، وهذه هى طبيعة البشر التى لا يمكننا تغييرها.
هذا مثال واضح.. ولا أحد يستطيع أن ينكره، وليس سرًّا أن الذين يهاجمون إعلام الخارج أمامنا، يشاهدونه بينهم وبين أنفسهم إذا جاء المساء، وليس سرًّا أنهم يجلسون أمامه ويتابعون ما يقوله.
فإذا شخصنّا المشكلة فى قطاع الإعلام بهذه الطريقة، كان فى مقدورنا أن ننتقل إلى المرحلة التالية، التى تتيح القدر الواجب من الحريات، وعندها سوف نقدم العلاج على أساس صحيح، وسوف نقدم خدمة لأنفسنا وبلدنا، وسوف نقطع الطريق على إعلام الخارج، وسوف نكون قد أخذنا منه جمهوره، وسوف نكون قد أغلقنا نافذته التى يطل منها على الناس.
لا شك فى أن جزءًا من الأزمة الاقتصادية عندنا يعود إلى زمن كورونا وتداعياته، ولا شك فى أن الحرب الروسية على أوكرانيا سبب من بين أسباب هذه الأزمة الحالية، ولكن علينا فى المقابل أن نعترف بأن هناك أسبابًا أخرى، وأن الأسباب لا تتوقف عند حدود كورونا، ولا عند حدود الحرب الروسية الأوكرانية.. لا بد من الاعتراف بهذا.. لأن المؤكد أن الأزمة بملامحها الراهنة تعود فى جانب منها إلى أسباب تخصنا، وأسباب تخص أداءنا فى الداخل، وأسباب تخص سياسات جرى اتباعها طوال سنوات.
علينا أن نمتلك شجاعة الاعتراف بهذا، فإذا امتلكنا هذه الشجاعة انتقلنا إلى تشخيص المشكلة بشكل عام، وكذلك تشخيصها فى كل قطاع من قطاعات الدولة.. وعندها سوف ننتقل مباشرة إلى مرحلة العلاج.. هذه هى طبائع الأمور التى لا تستقيم الدنيا بغيرها.. فلنعترف أولًا.. وما بعد ذلك سوف يقوم على أساس من هذا الاعتراف.. لنعترف أولًا لأنه لا ذهاب إلى التشخيص والعلاج من دون الاعتراف.. فالإنكار يضرنا ولا يفيد فى شىء.