بقلم - سليمان جودة
أطلقت «المصرى اليوم» على مشروع رأس الحكمة «صفقة الانفراجة»، فكان الاسم الذى اختارته الصحيفة موفقًا تمامًا.. وأظن أنه اسم فى مكانه من حيث الإيحاء الاقتصادى فيه، ومن حيث تعبيره عن واقع الحال.
ولأن الصفقة ضخمة بحسابات الورقة والقلم، ولأنها غير مسبوقة من نوعها، فسوف تتعدد الأسماء التى سنطالعها عنها من هنا إلى يوم أن يبدأ العمل بها، ثم إلى يوم أن تتحول إلى كيان حى فى مكانها هناك على البحر المتوسط.
ولأن مساحة المشروع تصل إلى ٤٠ ألفًا و٦٠٠ فدان، فالطبيعى أنه سيستغرق وقتًا، ولكن الميزة الأهم فيه أنه سيمنح البلد دخلًا فوريًّا من العُملة الصعبة، وهو دخل موزع ما بين أسبوعين إلى شهرين حسب ما هو منشور.. وهذا ما سوف يجعل الأسواق فى مصر تهدأ قليلًا، فلا تبدو فى مستويات أسعارها، وكأن القيامة سوف تقوم فى صباح الغد.
وبالتوازى مع اسم «صفقة الانفراجة» يمكن أن نسمى المشروع «صفقة الراحة النفسية» فلا نكون مبالغين فى شىء مما نقوله، ولا فيما نصف به أثر المشروع على السوق والناس.. والقصد بالناس هنا هو كل الناس فى المحروسة، لا فئة أو طائفة بعينها، كما أن القصد بالسوق هو السوق بمعناها العام وليس سوقًا بعينها.
أما لماذا هذا التوضيح فى معنى الكلمتين، فلأن الفترة التى شهدت صعود سعر الدولار فى السوق الموازية كانت ضاغطة على أعصاب الناس، بأكثر مما كانت ضاغطة على جيوبهم بكثير، وكانت واصلة بتأثيرها إلى كل سوق دون استثناء، حتى ولو كانت سوقًا محلية مجردة لا علاقة لها بالدولار ولا علاقة للدولار بها.
القضية انقلبت خلال الأسابيع القليلة التى انقضت، من قضية اقتصادية خالصة إلى مسألة نفسية حاصرت الناس، فأثارت لديهم الكثير من الهواجس والمخاوف، وقد بَدَت نفسية أكثر منها اقتصادية، وبدا صعود الدولار فى السوق الموازية غير مبرر، ثم بدا صعودًا مُصطنعًا أكثر منه صعودًا متدرجًا يستجيب لحاجة طبيعية فى الأسواق.
ولا شىء يدل على ذلك إلا أن هذا الصعود قد راح يتراجع بشكل ملحوظ فى اللحظة التى جرى الإعلان فيها عن تفاصيل الصفقة، وهذا بُعد نفسى لا اقتصادى فى الموضوع، لأن الطبيعى أن يحدث التراجع بعد وصول عائد الصفقة أو جزء منه على الأقل.
أهم ما يقدمه الطبيب النفسى للمريض أنه يتكلم معه ويطمئنه، فإذا اطمأن المريض فى العيادة النفسية، فبقية العلاج سهلة والتعافى ممكن.. وفى المقابل لا يختلف حال السوق عن حال المريض بأى مرض من أمراض النفس التى يعرفها أهل الاختصاص، وأهم ما قدمته الصفقة أنها طمأنت السوق وأشاعت أجواء من الثقة فيها.. إن هناك الكثير الذى يمكن أن يقال حول المشروع حسابيًا، والكثير الذى يمكن أن يقال فى تفاصيله اقتصاديًا، ولكن هذا كله موضوع آخر، لأنى منشغل بالبُعد النفسى فيه بالذات.