التجربة التي لا رصيد لها في البيت الأبيض

التجربة التي لا رصيد لها في البيت الأبيض

التجربة التي لا رصيد لها في البيت الأبيض

 العرب اليوم -

التجربة التي لا رصيد لها في البيت الأبيض

بقلم : سليمان جودة

 

قيل ولا يزال يقال إن ما يميز الإنسان عن سائر الكائنات الحية على الأرض، أنه له تاريخ وأنها لا تاريخ لها، وليس المقصود بالتاريخ هنا سوى رصيد التجربة في حياة الكائن الحي.

وكان الأستاذ أحمد بهاء الدين يشرح هذه الفكرة فيقول إن دليل عدم وجود رصيد للتجربة لدى الفئران مثلاً، أن الطريقة التي جرى بها اصطياد أول فأر، هي نفسها التي لا نزال نصطاد بها كل فأر، وهي التي ستظل من دون تغيير ولا تبديل حتى آخر فأر يقع في المصيدة.

ومن مزايا رصيد التجربة بصفتها فكرة أنها تختصر المسافات على الطريق، وأنها تُفسح مكاناً لفكرة أخرى هي فكرة التراكم من حيث بناء شيء لاحق على آخر سابق، وأنها تجعل الإنسان قادراً على أن يبدأ من عند النقطة التي انتهى عندها سواه، وأنها تجعل في إمكان الفرد أن تأتي خطواته مكمّلة لما كان منه هو ذاته من خطوات من قبل، لا منفصلة عنها، ولا بعيدة منها.

شيء من هذا كله لا بد أن يخطر على بالك، وأنت تتابع ما يبادر إليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب من قرارات، وسياسات، وأوامر تنفيذية، وغيرها وغيرها، منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض في العشرين من الشهر المنقضي.

ذلك أن رصيد التجربة لديه من الفترة الرئاسية الأولى يبدو بلا وجود، وبلا أثر، ويبدو الرجل وكأنه يعتمد نظرية الصواب والخطأ في كل ما يقوم به في مكانه، وفي كل ما يستيقظ عليه العالم صادراً عن البيت الأبيض مع مطلع كل نهار.

إن العالم كان على استعداد لأن يتفهم ما يقوم به الرئيس الأميركي أو يخرج عنه من قرارات وسياسات، لو كانت هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها مكتبه البيضاوي، ولكن المشكلة أن سنوات أربعاً سبقت سنواته الأربع الحالية. وعندما فاز في السباق الرئاسي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان التصور أنه سيعود في الفترة الثانية بنضج سياسي لم يتسع له الوقت في الفترة الأولى، وأنه سيدخل البيت الأبيض في المرة الثانية مسلحاً بخبرات تراكمت في عقله من المرة الأولى.

كان هذا هو رهان الذين تابعوا حملته الانتخابية، ثم إعلان فوزه في آخرها، ولكن ما نتابعه منذ تسلم السلطة يظهر منقطع الصلة عن كل الرهانات، ويظهر وكأن تلك الفترة الأولى لم تمنحه ما كان لا بد أن يكون في رأسه وهو يعود من جديد.

ففي فترته الأولى راح يطرح ما سماه «صفقة القرن» وكانت شيئاً شبيهاً بما يتكلم عنه هذه المرة من تهجير للفلسطينيين من أرضهم إلى أرض ليست لهم، وكانت الصفقة أخف وأقل حدة، ومع ذلك لم تنجح ولا كانت أمامها أي مساحة لترجمتها عملياً، فإذا به يرجع وفي يده ما يسميه نقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن!

لم تنجح صفقة القرن، ولم يكن لها أن تنجح لسببين، أولهما أنها ضد قوانين الطبيعة، والسبب الآخر أنها بَدَت مثل النبات الذي إذا أخذته إلى أرض غير أرضه فإنه لا ينمو ولا يحيا، فما بالك إذا كان الذي تريد اقتلاعه من أرضه إنساناً له مشاعر تجاه أرضه، وفي قلبه عواطف إزاء وطنه، وفي عقله ذكريات من موطنه وموطن آبائه وأجداده، وفي وجدانه ما يجعل حياته بعيداً عن ترابه مستحيلاً من مستحيلات؟

جرّبت إدارة الرئيس الأميركي صفقة القرن، ورأت انعدام فرصها في الحياة، ومع ذلك تعود لتقوم بتجريب المُجرّب!

وقد كان إخفاق صفقة القرن كفيلاً بأن يدفع الإدارة التي طرحتها في زمن مضى، إلى التفكير في شيء خارج هذا المربع، وإلا، فإن الأمر يصبح كمن يغير في الشكل على أمل تمرير المضمون نفسه، وهذا ما لا يمكن ولا يكون. فالمضمون الذي لم يمر من قبل في صورة الصفقة إياها، لم يتعثر لأنه كان يحمل اسم كذا أو كذا، ولكنه تعثر وتوقف في مكانه لأنه بصفته مضموناً لا يصادف قبولاً لدى أحد ممن هُم طرف مباشر في الموضوع، والذين هُم الفلسطينيون بالطبع، ولا فرق بين أن يكونوا في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، فالقضية في فلسطين أكبر من أن يجري اختزالها في القطاع وحده، أو في الضفة بمفردها أو في حدودها.

arabstoday

GMT 09:58 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

قربى البوادي

GMT 09:55 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

الترمبية... المخاطر والفرص

GMT 09:48 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

عهد الفرصة السانحة يحتاج إلى حكومة صدمة!

GMT 09:45 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

السودان... حرب ضد المواطن

GMT 09:43 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

ثقة اللبنانيين ضمانة قيام الدولة المرتجاة!

GMT 09:41 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

البحث عن الهرم المفقود في سقارة

GMT 09:40 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

استراتيجية «ترمب ــ ماسك»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجربة التي لا رصيد لها في البيت الأبيض التجربة التي لا رصيد لها في البيت الأبيض



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:54 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

انتشال جثث 39 شهيدًا من غزة بعد أشهر من الحرب

GMT 03:50 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الاتحاد الأوروبي يحاول تجنب حرب تجارية مع أميركا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab