بقلم : سليمان جودة
يريد الرئيس ترامب أن يفرق بين غزة وكولومبيا، مع أن الأولى تقع هنا فى الشرق الأوسط، والثانية تقع هناك فى أقصى الأرض.
وكانت كولومبيا قد شغلت الناس مرتين: مرة فى 1982 عندما فاز أديبها جابرييل جارسيا ماركيز بجائزة نوبل فى الأدب.. والمرة الثانية عندما قرر ترامب ترحيل مواطنين كولومبيين إلى بلادهم لأنهم جاءوا إلى الولايات المتحدة عن طريق غير شرعية.
وبالفعل قامت الإدارة الأمريكية بوضع عدد من المواطنين الكولومبيين فى طائرات عسكرية أقلعت بهم إلى الأراضى الكولومبية جنوب الولايات المتحدة، ولكن الرئيس الكولومبى جوستافو بيترو رفض استقبالهم وأعاد الطائرات من حيث جاءت، وكان رد فعل ترامب أنه هدد بفرض جمارك على السلع الكولومبية تصل إلى 25%، وترتفع لاحقًا إلى 50%!.
وبدا أن البلدين ذاهبان إلى صدام، ولكن تم حل المشكلة وأعلن وزير الخارجية الكولومبى ذلك، واستقبلت كولومبيا مواطنيها.. وتبين فيما بعد، كما قالت وكالة الأنباء الفرنسية، أن الرئيس بيترو لم يكن يرفض استقبال رعاياه لمجرد الرفض، وأن اعتراضه كان على التعامل مع مواطنيه بطريقة لا تحفظ كرامتهم، وأن إرسالهم فى طائرات عسكرية مسألة أثارت غضبه، وأنه رأى فى ذلك شيئًا ينال من كرامة كل مواطن كولومبى جرى إرساله إلى بلاده.
وعندما استقبلهم فإن ترامب كان قد أعاد إرسالهم ولكن فى طائرات مدنية، وكأن الرئيس الأمريكى اعترف بأن الرئيس بيترو على حق فى غضبه
وفى رفضه.
هذه القصة جرت بتفاصيلها المعلنة على الدنيا، وكان المعنى فيها أن على إدارة ترامب أن تراعى مشاعر الناس، وأن تفهم أن المواطن الأمريكى إذا كان غاليًا إلى هذا الحد، فالمواطن الكولومبى ليس رخيصًا إلى هذه الدرجة.. ولا كذلك بالطبع كل مواطن آخر فى أنحاء الأرض، بمن فى ذلك المواطن الفلسطينى، حتى ولو كانت أرضه محتلة.
المواطن الكولومبي عاد إلى بلاده لأنها أرضه فى النهاية ولأنها وطنه، والمواطن الفلسطينى لا يمكن أن يخرج من غزة ولا من الضفة لأنهما أرضه ولأنهما وطنه.. وهذا ما لابد أن تلتفت إليه الإدارة فى البيت الأبيض، حتى لا تستهلك وقتها أو جهدها، ولا كذلك وقت المنطقة وجهدها، فيما لا يُجدى ولا يُفيد، ولا يُؤدى إلى شىء.