بقلم - سليمان جودة
راحت جائزة الشيخ زايد للكتاب تفتش بين أهل الموسيقى عمن يستحق جائزتها لشخصية العام الثقافية، فلم تجد أفضل من الموسيقار عمر خيرت يحملها فى هذا العام بين الناس.
وحين جاءنى نبأ الجائزة عُدت أقلب فى صفحات سيرة الرجل الذاتية، التى كانت قد صدرت السنة الماضية عن دار نهضة مصر.. أما عنوانها فكان من كلمة واحدة هى: المتمرد.
ولابد أن الذين طالعوها من عنوانها قد تساءلوا عن معناها، ولا بد أنهم لما بدأوا فى قراءتها كانوا يفعلون ذلك، وفى داخلهم سؤال يبحثون عن إجابته.. وكان السؤال كالتالى: على ماذا بالضبط تمرد عمر خيرت؟!.. وإذا أنت جربت أن تطالع هذه السيرة فسوف تكتشف أن موسيقارنا تمرد على كل دراسة فى حياته، إلا دراسة الموسيقى التى أعطاها عُمره، فبادلته هى عطاءً بعطاء، ثم منحته هذا الحضور لدى الجمهور.
وكان إخلاصه لموسيقاه امتدادا لإخلاص آخر فى العائلة، وكان صاحب الإخلاص الأول هو العم أبوبكر خيرت، الذى بادر فدرس الموسيقى فى عاصمة النور، ثم عاد لينشئ مع الدكتور ثروت عكاشة أكاديمية الفنون ومعهد الكونسرڤتوار، فكان وكأنه يريد أن ينقل ثمرة دراسته ومعها إخلاصه للموسيقى إلى عموم المصريين.. وعندما أخلص عمر خيرت لموسيقاه، فإن إخلاصه كان إخلاصا تحمله الجينات.
وفى سيرته روى أنه تعامل مع يوم مولده بطريقة فريدة من نوعها، وكانت الطريقة الفريدة أنه عاد يقرأ فيما هو منشور عما جرى فى العالم فى يوم ميلاده، وكان ألطف ما وجده دراسة لجامعة هارڤارد الأمريكية تقول إن الإنسان إذا عاش ٦٠ سنة، فإن قلبه يدق مليارا و٧١٧ مليون دقة!.. ولسنا ندعو الله بشىء ونحن نتابع أخبار جائزة شخصية العام، إلا بأن يدق قلب الموسيقار الكبير هذا العدد من الدقات مضروبا فى اثنين وأكثر.
إننا ندعو من أجل كل صاحب ذائقة موسيقية يتابع حفلات خيرت فى كل مكان.. فأصحاب هذه الذائقة يجدون سعادة كبيرة فى أن يتابعوه، ويجدون متعة أكبر فى أن يكونوا حاضرين معه فى كل المرات.
وإذا كانت الجائزة قد أشارت إلى تدفق موسيقاه، فلا يكاد ينافس هذا التدفق عنده إلا تدفق جمهوره، الذى يتدفق إليه كما يتدفق الماء تحت الجسور.. ولم يبالغ الذى قال إن أفضل ما يمكن أن ينزل من السماء على الأرض هو التوفيق، وإن أجمل ما يمكن أن يصعد من الأرض إلى السماء هو الإخلاص.