بقلم: سليمان جودة
ربما يظل مساء الجمعة ٢٢ مارس مساءً فارقًا بين روسيا وأوكرانيا، أو بين روسيا والغرب عمومًا، وهو يظل كذلك لأن ما حدث فيه لم يحدث منذ أن أطلق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ما عاش يسميه «عملية عسكرية» فى الأراضى الأوكرانية يوم ٢٤ فبراير ٢٠٢٢. ففى هذا المساء قال ديمترى بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، إن بلاده تخوض حربًا مفتوحة وشاملة فى أوكرانيا المجاورة.. وقد كانت هذه هى المرة الأولى التى تتحدث فيها موسكو عن أن ما تخوضه «حرب» وليس مجرد «عملية عسكرية».
ولا أحد يستطيع أن يخمن سبب هذا التحول المفاجئ فى التسمية، وما إذا كان له علاقة بالعملية الإرهابية التى ضربت مركزًا تجاريًا فى العاصمة الروسية مساء الجمعة نفسها؟.. فأوكرانيا قالت إنها لا علاقة لها بالعملية التى أوقعت العشرات من القتلى والمصابين، ثم إن تنظيم «داعش خراسان» سرعان ما أعلن مسؤوليته عن العملية، وسرعان ما نشر ما يدل على أن العملية عمليته.. وإذا كان الأمر كذلك، فمن الصعب تحميل أوكرانيا المسؤولية عن عملية أعلن طرف آخر مسؤوليته عنها صراحةً ودون مواربة. فهل لهذا التحول من جانب روسيا علاقة بقرار الاتحاد الأوروبى فى اجتماعه الأخير، استخدام الأصول الروسية المجمدة لديه فى دعم أوكرانيا فى الحرب؟. هذا احتمال وارد..
ولكن ما يضعفه أن هذه ليست المرة الأولى التى يعلن فيها الاتحاد الأوروبى عن مثل هذا التوجه عنده تجاه الأصول الروسية المجمدة.. فمن قبل كشف الاتحاد عن تفكير لديه فى هذا الموضوع.. ثم إنه لا دليل على أن الاتحاد قد شرع بالفعل فى تنفيذ قراره المعلن. وهل فكر الروس فى تعديل التسمية، بكل ما يترتب عليها فى ميدان القتال، على سبيل الردع للاتحاد الذى دعم ويدعم الأوكرانيين بكل ما يستطيع؟.. ففى اجتماعه الذى تعرض فيه لموضوع الأصول المجمدة، قرر إرسال ٢٨ مليار يورو إلى أوكرانيا.. ومن قبل كان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون قد أعلن أنه لا يستبعد إرسال قوات برية تحارب مع الأوكرانيين، وكان هذا مما أثار روسيا جدًا وجعل الولايات المتحدة تدعو ماكرون إلى إعادة التفكير فيما قال. هناك مائة سبب وسبب يمكن أن تبرر تعديل التسمية بعد مرور أكثر من عامين على إطلاق العملية العسكرية، ولكن لا يوجد سبب واحد يبرر استمرارها كل هذه الأيام والشهور!.. فهذه حرب أو عملية المنتصر فيها خسران بأثر رجعى ومنذ يومها الأول، لا لشىء، إلا لأنها حرب استنزاف للطرفين على حد سواء. العملية العسكرية تظل عملية فى حدودها، ولكن الحرب حرب بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، وما بينهما فارق كبير فى عُرف العسكريين، وربما لهذا السبب قيل إن أمر الحرب أخطر من أن يُترك للعسكريين وحدهم