بقلم - سليمان جودة
اعتدنا في كل رمضان أن تشتعل الأوضاع بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن في رمضان هذه السنة اشتعلت الأوضاع داخل إسرائيل نفسها ولاتزال تشتعل.
والسبب هو وجود حكومة في تل أبيب لا تمارس التطرف ضد الفلسطينيين فقط، لكنها تمارسه ضد شعبها نفسه، وكانت البداية عندما قرر بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة، تمرير مشروع قانون يحد من سلطة المحكمة العليا في البلاد ويعطى الحكومة هيمنة عليها.. وهو وضع معاكس لما مضت عليه الأمور بين المحكمة والحكومة طوال عهود الحكومات السابقة.
وعندما ذهب نتنياهو يزور لندن يوم الجمعة، خرجت المظاهرات ضده أمام مقر رئيس الحكومة البريطانية، وكان الجديد في المظاهرات هذه المرة أنها لم تكن من المناصرين للقضية في فلسطين وحدهم، لكن أعدادًا من اليهود في بريطانيا خرجت تتظاهر ضده بالتوازى.
وتابعنا مشهداً غريباً وجديداً.. فالمظاهرات كانت واحدة من حيث الشكل في مواجهة الزائر الإسرائيلى، ولكن كل مجموعة من المجموعتين كان لها هدفها المختلف عن الأخرى.. كانت المجموعة العربية تعيد تذكير العالم بقضية فلسطينية يكاد هذا العالم ينساها في غمرة انشغاله بقضايا أخرى، وكانت المجموعة اليهودية تتظاهر رفضاً لمشروع القانون القضائى الذي يتبناه نتنياهو.
وفى عز أجواء ما كان يسمى الربيع العربى في المنطقة، كانت تل أبيب تتفرج على العواصم العربية الممتلئة في ذلك الوقت بالمتظاهرين، وكانت تفعل ذلك بالكثير من الشماتة والفرح.. ولكن الزمان استدار وتابعنا ولانزال نتابع المتظاهرين يملأون شوارع عاصمة الدولة العبرية ضد نتنياهو، وضد مشروعه الذي يصمم عليه بالنسبة للمحكمة العليا.
وخرجت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية بكاريكاتير تظهر فيه إسرائيل على شكل الباخرة تيتانيك الشهيرة، التي غرقت في المحيط الأطلنطى بدايات القرن الماضى وهى في طريقها من لندن إلى نيويورك.. وتحدثت صحافتهم عن أن الدولة العبرية تواجه وضعاً أصعب مما وجدت نفسها فيه أيام حرب أكتوبر ١٩٧٣، عندما استيقظت على زلزال عبور القوات المصرية قناة السويس وتحطيم خط بارليف.
ويبدو أن إسرائيل قد أصابها الفيروس العربى الذي يجعل السُلطة هدفاً لا وسيلة، وقد كانت تل أبيب تتباهى بأنها لا تعرفه، فأصبحت تواجه ما تعيشه هذه الأيام ولسان حالها يردد: نحن في الهم شرقُ!.