بقلم - سليمان جودة
سنة كاملة مرت على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا يزال الطرفان فى المكان نفسه تقريباً، فلا روسيا انتصرت ولا أوكرانيا انهزمت.
ولا ينطبق شىء على هذا المشهد الذى استمر عاماً كاملاً، سوى نظرية النهر الذى يصب طول الوقت فى البحر، فلا النهر يجف ولا البحر يمتلئ.
ولا يزال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يتحدث عن عملية عسكرية تقوم بها قواته فى الأراضى الأوكرانية، ولا يريد أن يسمى ما تقوم به القوات حرباً. ولا بد أنها عملية عسكرية فريدة من نوعها، لأن مفهوم العملية من هذا النوع فى العلوم العسكرية أنها تحقق غرضها سريعاً لتعود ولا تستمر سنة، ولا حتى تستمر ما هو دون السنة من الشهور والأسابيع.
وليس سراً أن القوات الروسية إذا كانت صامدة إلى اليوم فى المناطق الأربع التى قضمتها من أوكرانيا، فالفضل فى ذلك راجع إلى قوات فاجنر الروسية، التى قاتلت بالأجر فى ليبيا، وفى دول إفريقية أخرى غير ليبيا، وتقاتل هذه الأيام بالأجر أيضاً فى المقدمة من الجيش الروسى.
وهى قوات تشبه النائحة المستأجرة التى يأتون بها تبكى الموتى، وهى تفعل ذلك بغير أن تكون على معرفة ولا قرابة مع أحد منهم، ولكنها تبكيهم جميعاً بالطريقة نفسها، وتقول فى محاسن هذا ما تقوله فى محاسن ذاك، وكأنها كانت تعرفهم وتعيش معهم.
وعندما أطلق بوتين قواته فى مثل هذا اليوم من السنة الماضية، فإنه كان يظنها نزهة أو ربما فسحة، ولكن النزهة طالت بأكثر من اللازم.. وقد يكون السبب فى إطلاق مسمى العملية العسكرية عليها أن خسارة العملية من نوع ما أراده وخطط له أهون من خسارة الحرب.. فهل كان هذا هو السبب؟!.. وهل هذا هو السبب الذى جعله يحاذر فى تسميتها حرباً؟!.
ولأن الطرف الآخر الذى يحاربه ليس أوكرانيا وحدها، ولأنه فى الحقيقة يحارب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفاءهما، فالعملية العسكرية التى سماها هو هكذا، قد تحولت مع الوقت إلى عملية استنزافية له طويلة الأمد، ولولا عناصر فاجنر، ولولا الطائرات المُسّيرة التى حصل ويحصل عليها من إيران، لكانت قواته قد انكشفت بما لا يليق مع جيش دولة كبيرة مثل روسيا.
ولا يمكن من جانبه أن يحول العملية مع بدء عامها الثانى إلى حرب، لأن خوض الحرب له معايير أخرى، ولأن الطرف الآخر، بتركيبته التى نراها، يظل أقوى من روسيا فى أى حرب وبكل مقياس.