بقلم - سليمان جودة
كتبت فى هذا المكان من قبل عن الأسعار فى الإمارات، ولم يكن الهدف هو المقارنة بين الأسعار هنا وهناك طبعاً، لأن المقارنة ستكون غير متكافئة بسبب فروق الدخل، ولكن كان الهدف أن لهم تجربة تستحق أن ندرسها وأن نستفيد منها فى مواجهة غول الأسعار الذى يهاجم الناس.
فقبل أسابيع كانت الحكومة الإماراتية قد حددت تسع سلع رأتها أساسية فى حياة المواطن، وقالت إن رفع سعر أى سلعة من هذه السلع محظور تماماً، إلا بالعودة لوزارة الاقتصاد لتصرح هى بالرفع أو لا تصرح.. وكانت الحكمة من وراء مثل هذا القرار واضحة، وهى أن هناك سلعاً لا يستطيع المستهلك الاستغناء عنها، وبالتالى فتحريك سعرها لا بد أن يكون بسبب وبحساب.
السلع التسع كانت كالآتى: البيض، الألبان، السكر، الخبز، زيوت الطهى، الأرز، الدواجن، البقوليات، ثم القمح.
وقبل يومين أعلنت وزارة الاقتصاد أنها سوف تتلقى طلبات رفع سعر أى سلعة من هذه السلع، وأن على المتقدم إليها أن يقدم مع الطلب الخاص به تقارير وافية عن ثمانية أشياء، وأن عليه مثلاً أن يقدم تقريراً عن الأسعار الحالية للسلعة المراد رفع سعرها، وتقريراً آخر عن السعر فى السنوات الثلاث السابقة، وتقريراً ثالثاً عن تكلفة الإنتاج فى السنوات الثلاث السابقة، وتقريراً رابعاً عن أسعار المنتجات البديلة فى الدولة.. وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر قائمة التقارير الثمانية المطلوبة.
وقالت الوزارة إن الرد سيكون خلال ١٥ يوم عمل، وإن الهدف هو حماية المنافسة، وفى الوقت نفسه حماية حق المستهلك.
هذه تجربة فى غاية الانضباط فى موضوع الأسعار، وهى تؤمن بأن التاجر إذا كان من حقه رفع السعر، فمن حق المستهلك فى المقابل ألا يكون السعر فوق طاقته على الشراء، ومن واجب الحكومة أن تتدخل بينهما، وأن تكون حاضرة بعدالتها وقرارها المناسب طول الوقت.
يستطيع المواطن أن يعيش بغير سلع معينة، ولا يستطيع العيش بغير سلع محددة من نوع السلع التسع، وهذا ما لا بد أن تعيه الدولة، وأن تتصرف على أساس وعيها به.. وأظن أن تجربة السلع التسع مهمة جداً، وفيها ما تستطيع الدولة أن تستوحيه، وأن تبدو من خلال ذلك واقفة عملياً إلى جوار مواطنيها غير القادرين.