بقلم - سليمان جودة
فى نهايات ٢٠١٩، بدأت بوادر ڤيروس كورونا تلوح فى الأفق، وما كادت شمس العام التالى تشرق على الدنيا، حتى تحولت البوادر إلى واقع حى يطارد الناس على ظهر الكوكب.
ولأن النسيان طبيعة من بين الطبائع فى الإنسان، فإن أحدًا لم يعد يذكر تلك الأيام التى تحول فيها الڤيروس إلى وباء، ثم انقلب الوباء إلى كابوس لم يشأ أن يستثنى أحدًا فى أنحاء الأرض.. وما نذكره فى هذه اللحظة أن ڤيروسًا لا تراه بالعين المجردة قد حبس العالم بين أربعة جدران، وجعل الجميع يتخفون وراء الكمامات.. ولا يزال كثيرون لا يصدقون أنه رحل، ويتمسكون بالكمامة فى كل مكان عام.
وما كاد العالم يتنفس قليلًا فى بدايات السنة الماضية، وما كاد يشعر بأن وطأة كورونا لم تعد كما كانت فى البداية، حتى فوجئ بالحرب الروسية على أوكرانيا تفاجئه وتضربه. ورغم أنها حرب تدور على الحدود الروسية الأوكرانية فى المسافة الفاصلة تقريبًا بين أوروبا وآسيا، إلا أنه لا يوجد بيت على الأرض لم يصل أثرها إليه، ولا توجد قرية لم تعرف المعاناة بسببها، حتى ولو كانت هذه القرية تقع هناك فى أقصى الأرض.
وبعد يومين اثنين ستكون هذه الحرب قد أتمت عامها الأول، وعلى مدى السنة كلها لم تنطلق رصاصة على الجبهة بين البلدين إلا وأصابت كل جيب فى أرجاء المعمورة.
وكان هناك أمل، ولا يزال، فى أن تسكت مدافع هذه الحرب، وكان الأمل يزداد كلما اقتربت ذكرى الحرب الأولى، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، فاستيقظ العالم وهو لا يبعد إلا بمقدار مرمى حجر من الذكرى الأولى على غضب تتفجر به الأرض فى منطقة شرق المتوسط.
وتعاطف العالم كله مع ضحايا ومصابى الزلزال فى تركيا وسوريا، واقترن التعاطف بدرجة عالية من الإشفاق على الذين وجدوا أنفسهم بلا مقدمات تحت أقدام الزلزال.. ومع الوقت تحول التعاطف والإشفاق إلى خوف عام، أما السبب فهو أن غضب الأرض راح يتبدى فى مناطق أخرى، فقرأنا عن زلزال يضرب منطقة فى روسيا، وعن زلزال آخر يصل إلى سلطنة عُمان.
كان الزلزال فى الحالتين الأخيرتين محتملًا، ولم يكن مدمرًا كما فى الحالة السورية التركية، ولكنك فى الحالات كلها لا تستطيع إلا أن تتذكر آية فى سورة فُصّلت من القرآن الكريم (الآية 53) تقول: «سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق».
وكما ترى.. فالآية تخاطب بنى آدم فى العموم، ولا تتوقف عند حدود الذين يعتقدون فى القرآن، ولا بالتالى عند المسلمين على وجه الخصوص.