بقلم - سليمان جودة
جربنا كل شىء لضبط الزيادات غير الطبيعية فى عدد السكان، من أول الحملات الإعلامية، إلى الفتاوى والخطب الدينية، إلى قوافل التوعية فى القرى والأقاليم.. ولكن النتيجة لم تكن عند مستوى الطموح، ولا حتى حققت بعض ما كنا نسعى إليه.. وقد جاء الدور على الحوافز المادية، فتقرر منح مكافأة قيمتها ألف جنيه سنويًّا لكل سيدة تكتفى بإنجاب طفلين، ولا تزيد عليهما.
وربما يكون هذا الحل متأثرًا بما يتبناه الرئيس الروسى بوتين، الذى أعلن فى أغسطس ٢٠٢٢، منح مليون روبل لكل أسرة تنجب عشرة أطفال.. فالمشكلة فى موسكو على العكس منها تمامًا فى القاهرة لأنهم هناك يواجهون نقصًا فى عدد السكان، وتراجعًا فى معدل المواليد، ولكننا نواجه النقيض هنا على طول الخط.
ولا توجد معلومات كثيرة عن منحة الألف جنيه لأن كل ما هو متاح عنها أن السيدة التى تستحقها ستحصل عليها عند بلوغها سن ٤٥ سنة، وأن ذلك سيكون بأثر رجعى من تاريخ بلوغها ٢١ سنة، وأنها إذا التزمت طوال هذه السنين بعدم إنجاب أكثر من طفلين فستجد المبلغ بفوائده بين يديها.
والسؤال هو: هل الألف جنيه سنويًّا ستكون مغرية بالفعل للسيدات؟.. وسؤال آخر: هل صرف المبلغ على بعضه فى سن ٤٥ يمكن أن يكون مغريًا هو الآخر بما يكفى؟.. وسؤال ثالث: هل تحصل عليه السيدة إذا كانت مقتدرة ولم تنجب أكثر من طفلين، أم أن الموضوع يخص فئة محددة من السيدات؟.. وأسئلة كثيرة أخرى تحتاج إلى أن تكون هذه الفكرة الجديدة أكثر تفصيلًا.
وإذا كانت الحكومة قد فكرت بهذه الطريقة الجديدة للتعامل مع قضية السكان، فلابد من ضمان نتيجتها مسبقًا، وأن تذهب إلى هدفها من أقصر الطرق، وألا نكرر بها ما سبق أن جربناه، ثم لم يتحقق من ورائه ما كنا نتمنى لو حققناه.
موضوع الإنجاب بشكله الحالى عندنا هو تعبير عن أشياء كثيرة متوارثة، وهو «ثقافة» سادت بين الناس ولا تزال تسود، وليس أصعب من تغيير الثقافات التى تتوارثها الأجيال، ولذلك، فالأمر فى حاجة إلى شيئين: نَفَس طويل، ثم حلول عملية تتوجه إلى جذور الموضوع.
هذا الحافز المادى يمكن أن يكون بداية، والبناء عليه ضرورة، ومناقشته مع أهل الشأن واجبة، ومراجعته عند اللزوم مسألة مهمة لأن الألف جنيه ليست هى الهدف فى حد ذاتها، وإنما الهدف هو تحقيق اختراق فى هذه القضية التى تسلمها كل حكومة إلى التى بعدها كما هى.