بقلم - سليمان جودة
الدكتور عبد الله المدنى، كاتب بحرينى كبير، وهو يكتب أكثر فى الشؤون الآسيوية بالذات، ويعرف آسيا وقضاياها كما يعرف كف يده.
أما غرامه بمصر فلا حد له، وأما متابعته شؤونها فكأنه يتابع شؤون البحرين، وليس هناك فيلم مصرى قديم إلا وقد شاهده وعرف تفاصيله وحفظ أسماء أبطاله.. ومن قبل كان قد أصدر موسوعة فنية عن نجوم الصف الثانى فى السينما المصرية، وكان قد راح يكتب سيرتهم، وينشر صورهم، ويحصيهم واحدًا وراء الآخر.. ولا نهاية لما يقوله ويكتبه عن المحروسة.
وفى صيف ٢٠٢٢ زار الإسكندرية والقاهرة، وتجول فيهما كما يفعل فى العادة، ولكنه رأى فيهما ما لم يتعود عليه وما لم يعجبه أو يتوقعه، فلا الإسكندرية التى عشقها هى الإسكندرية، ولا قاهرة المعز هى نفسها.. إنه يغار عليها كما يغار على عاصمة بلاده المنامة.
ومن أيام كان قد كتب يقول إن مصر كانت قد حصلت على استقلالها بموجب تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢، وإنها تحولت بدءًا من ١٥ مارس فى تلك السنة إلى مملكة مستقلة، وإن سلطانها فؤاد الأول صار يُلقب ابتداء من ذلك اليوم بملك مصر والنوبة والسودان وكردفان ودارفور.. وتساءل عن السبب الذى منعنا ويمنعنا من الاحتفال بهذا اليوم على كثرة ما نحتفل به طول السنة من أيام ومناسبات؟!.
وهى ملاحظة فى محلها تمامًا، وتساؤله فى مكانه الصحيح، ولا أظن أن لدينا إجابة مقنعة على الملاحظة ولا على التساؤل، ولا شىء يبرر أن نحتفل على مدى العام بأيام ومناسبات ما أنزل الله بها من سلطان، ثم لا يكون لليوم الذى صارت فيه البلاد مملكة مستقلة مكان بين الأيام والمناسبات!.
وربما تكون هذه هى المرة الأولى التى يعرف فيها كثيرون بيننا أن الملك فؤاد، الذى تولى بعد السلطان حسين كامل، قضى فترة من حياته سلطانًا قبل أن يصبح ملكًا، وأن مصر عاشت مدة وهى سلطنة فى بدايات القرن العشرين إلى أن صارت مملكة.
ولكن سيظل السؤال عن السبب الذى أسقط ١٥ مارس ١٩٢٢ من الذاكرة، فلم يأخذ مكانه الذى يليق به بين الأيام والمناسبات التى نحتفى بها؟.. ثم يظل السؤال عن السبب الذى جعلنا على مدى كل هذه السنين التى انقضت منذ ذلك اليوم لا نستدرك الخطأ فى حقه ولا نصححه؟!.. صحيح أنه ماض ولكن المستقبل يبدأ على الدوام من حيث كنا ذات يوم.
١٥ مارس يجب أن يعود إلى مكانه فى الذاكرة، لأنه يوم من أيام الوطن، ولأن نسيانه إغفال لجزء من تاريخنا الحى، ولأن دعوة الدكتور المدنى من المنامة لا بد أن تجد صداها بيننا.