بقلم - سليمان جودة
على كثرة المؤتمرات التى انعقدت فى البلد، لم ينعقد مؤتمر نحن أحوج ما نكون إليه من أى مؤتمر آخر يكون قد انعقد فى الماضى.. أو حتى سوف ينعقد فى المستقبل.
ولا بد أن حال بلدنا سيختلف لو أننا فكرنا فى تنظيم «مؤتمر للأخطاء».. ولا بد أنه سيكون على غير كل مؤتمر سابق، وكذلك سيختلف عن كل مؤتمر لاحق.. إننى أقصد مؤتمراً للأخطاء التى وقعنا فيها أو ارتكبناها، بدءاً من ١٩٥٢ إلى اليوم.
كان إحسان عبد القدوس قد أصدر كتاباً فى ثمانينيات القرن الماضى، وكان عنوان الكتاب «البحث عن ثورة»، وكان يبحث فى كل فصل من فصوله عما عسى أن يكون قد تبقى من المبادئ الستة الشهيرة التى قامت على أساسها ثورة يوليو ١٩٥٢.
وكان عبد القدوس قد راح فى كتابه يتعقب المبادئ الستة واحداً وراء الآخر، وكان يريد أن يرى ما إذا كانت كلها قد تحققت فى واقع الناس، وتحولت من كلام على الورق إلى فعل على الأرض، أم أنها بقيت مبادئ وشعارات معلقة فى الهواء؟!.
شىء قريب من هذا سوف يكون على «مؤتمر الأخطاء» أن يبحثه.. ولا هدف من وراء انعقاده سوى أن نتجنب ما ارتكبناه من أخطاء على طول الطريق، وأن نتفادى الوقوع فيها هى نفسها مرةً ثانية، وألا نكررها، وأن نتعامل مع القاعدة التى تقول إن أهم ما يميز الإنسان عن الحيوان، أن الأول له تاريخ وأن الثانى لا تاريخ له، وأن معنى التاريخ فى حياة الإنسان أن له تجربة.
وأن عليه أن يستفيد من هذه التجربة، وإلا ما كان له أن يوصف بأنه إنسان.. وهو لن يوصف بذلك إلا إذا كان على استعداد لأن يتذكر أخطاءه، وألا يعيد الوقوع فيها، وأن يضعها أمام عينيه على الدوام.
وليس الهدف من مؤتمر الأخطاء إدانة هذا الحاكم أو ذاك من حكام ثورة يوليو، لأنهم بشر شأنهم شأن سائر الناس، ولأنهم بحكم ذلك قد أخطأوا بمثل ما أصابوا، ولا الهدف تقديم أو تفضيل واحد منهم على الآخر، ولكن الهدف أن نحترس مما أخطأوا فيه.. الهدف أن نتعرف على الأخطاء الأهم التى وقعت فى كل مرحلة، وأن ندرك أن الخطأ ليس عيباً فى حد ذاته، وأن العيب هو الوقوع فيه من جديد، وأن ما يميز القطاع الخاص ويبرر نجاحه أنه يراجع أخطاءه فلا يقع فيها من جديد.
هذا مؤتمر سوف يضىء أمامنا الطريق، وسوف يجعل كل خطوة من خطواتنا خطوة مضافة إلى حياتنا المعاصرة، ثم إلى مستقبلنا، لا خطوة مخصومة من الحاضر والمستقبل معاً، لأنها تكرر أخطاءً وقعنا فيها من قبل.. وقديماً كانوا قد سألوا رجلاً مؤدباً: ممن تعلمت الأدب؟!.. قال: من رجل قليل الأدب.. ولما عادوا يسألونه: كيف؟!.. قال: كلما رأيته يفعل شيئاً لا أفعله.