بقلم: سليمان جودة
الدنيا مقلوبة فى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن اقتحم البوليس بيت الرئيس السابق دونالد ترامب، بحثًا عن أشياء لم يتم الإعلان عنها إلى هذه اللحظة!.
أما ترامب فقد أعلن غضبه العارم مما جرى معه، وقال إنه لم يحدث مع أى رئيس أمريكى سابق، ووصف بلاده بأنها تحولت إلى جمهورية من «جمهوريات الموز».. وهذا تعبير شاع فى وقت من الأوقات عن دول كثيرة فى أمريكا اللاتينية، حيث لم تكن فيها عدالة ولا قانون!.
والغريب أن ترامب رفض الحديث أمام المدعى العام فى نيويورك، وكان رفضه بناء على نصيحة من محاميه الخاص.. ولكن الأغرب من رفضه الحديث أنه فى غمرة انفعاله قال إن تفتيش بيته فى فلوريدا عملية ملفقة. والمعنى أنهم إذا ضبطوا شيئًا فى البيت فسوف يكون هذا الشىء من تلفيق الشرطة!.
القضية الآن أن المدعى العام هناك لم يصدر بيانًا عن سبب تفتيش البيت، ولم يتم نشر شىء عن إذن النيابة بمداهمة بيت الرئيس السابق، الذى كلما علق على المداهمة قال إنها عملية ملفقة.. ولأنه لا يزال يردد هذا الكلام، ولا يزال أنصاره فى الحزب الجمهورى يضغطون ويروجون لما يقوله، فإن المدعى العام لم يجد مفرًّا من الذهاب إلى المحكمة طالبًا الإذن بأن يتكلم ويكشف ما عنده!.
وكانت المفاجأة أن المحكمة أفهمت المدعى العام أن كلامه مرهون بموافقة ترامب نفسه، وأنها لا تستطيع أن تأذن له بالكلام إلا إذا وافق ترامب، باعتباره المتهم فى القضية!.
وهكذا يجد ترامب أنه أمام خيارين أحلاهما مُر، فهو إما أن يوافق على أن يتكلم المدعى العام فيعرف الناس كل شىء، وإما ألّا يأذن فيفهم الناس أنه رفض الإذن حتى لا يعرف الرأى العام ماذا بالضبط كان فى بيته لحظة مداهمته من رجال مكتب التحقيقات الفيدرالية!.. فضلًا بالطبع عن أنه إذا رفض إعطاء الإذن للمدعى العام بالكلام، فسيجد نفسه مضطرًّا إلى التوقف عن وصف العملية بأنها ملفقة، وسوف يضطر أنصاره كذلك إلى أن يسكتوا ويهدأوا!.
إننا قد نلعن أمريكا مرة بسبب سياستها التى تكيل بمكيالين فى المنطقة، وقد نلعنها مرةً ثانية بسبب خلو سياستها تجاه العالم من أى مبادئ أخلاقية، ولكن هذا يجب ألّا يمنعنا من الاعتراف بأن فى ديمقراطيتها مزايا ليست موجودة فى أى ديمقراطية أخرى، وأن عندها ضوابط مستقرة لا يتجاوزها ولا يجور عليها أحد.. وإذا شئت فراجع قصة ترامب هذه من أولها!.