صورتان للقيصر

صورتان للقيصر

صورتان للقيصر

 العرب اليوم -

صورتان للقيصر

بقلم - سليمان جودة

يدرس طلاب الصحافة في كليات الإعلام، أن نفي الشيء يؤكده أحياناً، وأن النفي ليس معناه أن الأمور مضت في الحقيقة هكذا بالضبط.

وهذا ما سوف تحسه، وأنت تطالع ما قالته وكالة الأنباء الفرنسية، نقلاً عن ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن تمرد مجموعة «فاغنر» الذي وقع في الرابع والعشرين من هذا الشهر، لم يضعف من مركز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لا تعرف ما هو معيار المتحدث باسم الكرملين في قياس مدى القوة والضعف، ولكن ما تعرفه أنه لا شيء نستطيع به أن نتأكد من صحة ما يقوله، فليس هناك شيء أمامنا نلمسه فنفهم منه أن بوتين قوي كما كان قبل التمرد، ولا شيء آخر في المقابل نلمسه فنعرف من ملمسه أن الرئيس الروسي لم يعد قوياً، وإنما هي أمور تشرح نفسها عندما تتكشف التفاصيل أكثر في المستقبل.

فالتمرد الذي قاده يفغيني بريغوجين، قائد المجموعة، كان أقرب ما يكون إلى حجر ضخم تلقيه في بحيرة راكدة، فيؤدي بالضرورة إلى دوائر تراها بعضها وراء بعض على سطح الماء. ومن مركز البحيرة؛ حيث سقط الحجر، تجري الدوائر إلى شاطئها؛ حيث تتلاشى في النهاية وتختفي.

وهذا معناه أن الحدث وقع في توقيته، ثم انتهى كحدث في حينه، ولكن تداعياته تظل متتابعة بعضها وراء بعض في مرحلة لاحقة، إلى أن ينتهي مفعوله على المدى البعيد. فالذين تابعوا مشهد التمرد في وقته كانوا بين مصدق ومكذب، وكان بعضهم يفرك عينيه ليتأكد من أن ما يتابعه صحيح، فلما تأكدت صحة ما كنا نتابعه، تبين أمامنا أن عملية اقتحام الكونغرس من جانب أنصار الرئيس ترمب، ليست وحدها التي شدت أنظار العالم واهتمامه، ولا هي وحدها التي كانت نشازاً في مشهد أميركي عام، وأن تمرد «فاغنر» جاء لينافس تلك العملية التي بدت في وقتها شيئاً لا يمكن تصديقه، لولا أنها كانت واقعاً من لحم ومن دم.

جرت عملية اقتحام مبنى «الكابيتول» في واشنطن، ووقع التمرد على مسافة من موسكو، ولكن عناصر «فاغنر» كانت تتابع السير في الطريق إلى العاصمة الروسية، وفي الحالتين كانت العاصمتان الأكبر في العالم على موعد مع ما لم يخطر لهما على بال من وقائع، وكان تمرد عناصر المجموعة على سلطة بوتين وقوته نشازاً يتكرر، ولكنه هذه المرة في مشهد روسي عام.

ولا شيء يشرح هذا المعنى في حالة الرئيس بوتين ويوضحه أكثر، إلا ما قاله الشاعر أحمد فؤاد نجم، في حكاية ريا وسكينة التي كانت قد هزت مدينة الإسكندرية في علم 1921، عندما جرى الكشف عن الجرائم التي ارتكبتها الشقيقتان في حق عدد من نساء المدينة.

ذلك أنه بعد مرور ما يقرب من القرن على ما حدث في الإسكندرية على أيدي الشقيقتين، تقرر تحويل الحكاية إلى دراما تلفزيونية على الشاشة، وكان الشاعر نجم هو الذي وقع عليه الاختيار ليكتب أشعار العمل الدرامي، فكان ما كتبه وكأنه لا يمهد الطريق للمشاهد إلى متابعة الدراما على الشاشة الصغيرة فقط، ولكنه راح يضع المشاهدين في الأجواء التي عاشتها المدينة وقت وقوع الجرائم وبعدها.

كتب الشاعر يصف الإسكندرية في مرحلة ما بعد حكاية ريا وسكينة، فقال: «وفيها ريا وألاضيشها، موال جرحها وخربشها».

وكان المعنى أن ما ارتكبته الشقيقتان القاتلتان من جرائم، قد جرح المدينة التي اشتهرت بأنها عروس البحر المتوسط، وأنه خربشها، وأن الإسكندرية التي كانت قائمة في وقت ارتكاب الجرائم على أيدي الشقيقتين، هي نفسها الإسكندرية التي نعرفها فيما بعد إلى الآن، ولكن القضية دائماً هي فيما بقي من أثر على وجه المدينة، وفيما عاشت وتجاهد لتتخلص من بقاياه.

وهذا ما سوف تجده في حالة بوتين الذي أطل على العالم بعد التمرد يتحدث، ولكنه لا يمكن أن يكون هو بوتين الذي عرفناه قبل أن يجري ما جرى، وإذا كان قد بدا متماسكاً، وهو يتكلم ويخيِّر «فاغنر» بين الانضمام إلى الجيش الروسي أو الذهاب إلى بيلاروسيا، ففي داخله كان الأمر شيئاً آخر من دون شك، كما أن صورته لدى الناس قبل أن يقود بريغوجين تمرده، لم تكن هي أبداً الصورة التي رأيناه عليها، بعد أن أنهى الرجل تمرده، وأعاد جنوده إلى أماكنهم في الثكنات.

لقد بدأ بوتين عمليته العسكرية على أوكرانيا في السنة الماضية، ومن وقتها إلى الآن حقق انتصارات إذا كان المقياس هو الأرض التي قضمها من الجسد الأوكراني، ولكن صورته رغم ذلك لم تظل كما هي، وخسر -ولا يزال- على مستوى ملامح هذه الصورة في الأذهان؛ لأن الانتصار في حالته ليس أرضاً يستولي عليها فقط، ولكن الانتصار في قدرته على أن يضيف إلى الصورة قبل العملية العسكرية، بدلاً من أن يظل يخصم منها ويقتطع.

تمرد «فاغنر» نال من صورة القيصر، وألقى عليها ظلالاً، بالضبط كما كان موال «ريا وسكينة» قد جرح الصورة في الإسكندرية وخربشها.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورتان للقيصر صورتان للقيصر



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط
 العرب اليوم - 3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
 العرب اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يُرهن ضم مرموش في انتقالات يناير بشرط وحيد

GMT 11:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أرباح "أدنوك للإمداد" الفصلية 18% إلى 175 مليون دولار

GMT 13:23 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 04:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات فساتين زواج فخمة واستثنائية لعروس 2025

GMT 10:34 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتقاء شهيدين فلسطينيين في قصف إسرائيلي شمال غزة

GMT 07:52 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق تذاكر معرض كريستيان ديور مصمم الأحلام

GMT 06:17 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

3 ركائز لسياسة ترمب في الشرق الأوسط

GMT 05:49 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بين قاهر.. وقاتل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab