بقلم - سليمان جودة
الذين راهنوا على محكمة العدل الدولية فى قضية الحرب على غزة رفعوا سقف التوقعات إلى سماء بعيدة، فلما قالت المحكمة كلمتها يوم ٢٦ يناير، لم يستطيعوا النزول بسقف توقعاتهم إلى الأرض حيث يعيش الناس.
ولأنهم فعلوا ذلك، فإن أى تقييم موضوعى لقرار المحكمة سوف يتوقف لا شك أمام فجوة عميقة تفصل بين ما صدر عنها، وبين ما لا يزال يُقال عما أصدرته حين انعقدت!.. فالمحكمة فى حقيقة الأمر قالت «كلام حلو» لا أكثر!.
ولأن كل ما قالته «كلام حلو»، فإن الواقع فى قطاع غزة لم يتغير، بعد أن أصدرت حكمها أو قرارها، عما كان عليه قبل أن تقول كلامها الحلو، ولن يتغير فى الغالب إلا إذا استخدم العرب الأوراق السياسية وغير السياسية التى فى أيديهم.. وما عدا ذلك سوف يظل فى خانة الأمنيات التى نتمناها، دون أن ننتبه إلى أن نَيْل المطالب ليس بالتمنى كما قالها الشاعر من زمان.
بالتأكيد ليس هذا تقليلًا من الجهد الذى قامت به دولة جنوب إفريقيا، فلقد أقدمت على ما لم تجرؤ عليه دولة فى العالم، ولا هو تقليل من حجم الدور الذى لعبته من خلال مسؤوليها أمام قضاة المحكمة، فلقد بادروا بما لم يبادر به سواهم، ولكنهم كما قال شاعر آخر قد صح منهم العزم ولكن الدهر أبَى!.
سوف تفتش أنت فيما صدر عن المحكمة، فتجد أنها تدعو إسرائيل إلى اتخاذ التدابير التى تمنع ارتكاب إبادة جماعية فى حق الفلسطينيين، وتضمن تحسين الأوضاع الإنسانية القاسية التى يعيشها أبناء قطاع غزة.. هذا ملخص ما صدر عنها.. فهل ستلتزم به حكومة بنيامين نتنياهو، وهل سيغير فى حقيقته من الوضع المأساوى فى القطاع؟.
هذا هو السؤال؟.. وقد بادر نتنياهو، فأجاب عنه قبل حتى أن تقول المحكمة كلمتها، وكان مما قاله أن قرارها لن يُوقفه، وأنه لا شىء آخر سوف يُوقفه عما يرتكبه فى غزة!. هكذا يبدو الواقع على الأرض، وهكذا نرى العالم فى مأزق وهو عاجز عن فعل شىء للأبرياء الذين يموتون فى غزة كل يوم بلا ثمن.. أما الولايات المتحدة الأمريكية فهى لا تجد حرجًا فى لعب دور المتواطئ فى الموضوع، وأحيانًا تذهب إلى حد أن تكون شريكة فيما تمارسه حكومة نتنياهو، رغم أن واشنطن هى الوحيدة القادرة على فعل شىء يُوقف المأساة.. وليس مطلوبًا منها سوى أن تستخدم ورقة السلاح الذى ترسله لإسرائيل كما قال عضو مجلس النواب الأمريكى بيرنى ساندرز.
ورغم كل ذلك.. فالحل هنا فى عواصم العرب وبينها، لا هناك فى واشنطن، ولا فى أى عاصمة غير واشنطن.