بقلم - سليمان جودة
قبل أيام كانت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط، قد ذكرت أن الدولة سوف تلتزم مبدأ «الحياد التنافسى» فى تعاملها مع القطاع الخاص.
وكان الحديث عن هذا المبدأ قد تردد فى أثناء المؤتمر الاقتصادى الذى انعقد فى أكتوبر من السنة الماضية، ومما قيل على سبيل شرح معناه فى أثناء المؤتمر كمبدأ اقتصادى متعارف عليه، أنه يسعى إلى إرساء قواعد المنافسة منعاً للممارسات الاحتكارية.
ولكن ما قيل عن المبدأ أثناء جولة ترويجية خارجية للاستثمار قامت بها الوزيرة السعيد، غير كافى، ولا فرق بين أن يكون هذا المستثمر مستثمراً وطنياً، أو أن يكون مستثمراً أجنبياً جاء من الخارج يوظف فلوسه على أرضنا.
إن «وثيقة سياسة ملكية الدولة» صدرت كوثيقة اقتصادية فى الفترة التالية للمؤتمر الاقتصادى، والذين طالعوا تفاصيلها يعرفون أن الدولة تعهدت فيها بالتخارج الكلى من أنشطة اقتصادية دخلتها خلال الفترة الماضية، ثم تعهدت فيها أيضاً بالتخارج الجزئى من أنشطة أخرى.. وكان صدور الوثيقة فى حد ذاته مما دعا إلى التفاؤل، ومما أشاع نوعاً من الأمل فى الوسط الاستثمارى.
ولكن الخوف أن يتبدل الحال بعد الحديث عن هذا الحياد التنافسى، لا لشىء، إلا لأن معناه الذى يتسرب إلى النفس منذ الوهلة الأولى، أن الدولة سوف تظل تنافس وأن منافستها ستكون حيادية، أو أنها ستلتزم الحياد وهى تنافس القطاع الخاص فى أى مجال.
وإذا صح هذا المعنى، فالأمر فى حاجة إلى مراجعة، حتى لا يفهم الذين يصلهم هذا المعنى من أهل الاستثمار أن الحديث عن حياد تنافسى هو تراجع خفى عما جاءت به الوثيقة فى نصوصها الواضحة.
وبصراحة أكثر.. فالدولة مدعوة إلى أن تكون واضحة بما يكفى فى هذه القضية، لأن وجود الدولة فى حد ذاته كمنافس، يتناقض مع فكرة الحياد، ولأن المنافسة بينها وبين القطاع الخاص تظل غير متكافئة، ويظل القطاع الخاص غير قادر على الدخول معها فى أى منافسة، مهما كانت إمكانياته وقدراته.. قد يبدو الحديث عن الحياد التنافسى جميلاً من حيث الشكل، ولكن المبدأ فى حقيقته غامض، وغائم، وضبابى، ومن شأن المستثمر عموماً أن يقلق فى حالة كهذه، وألا يطمئن كما يجب.
الحياد التنافسى إذا لم يكن مصحوباً بما يوضحه بما يكفى، وبما يبدد غموضه، سيتحول إلى حياد مقلق.. وهذا ما لا يجب أن يكون، لأننا أحوج ما نكون إلى أجواء مغرية للاستثمار بجد.