بقلم - سليمان جودة
هذا كتاب أصدرته دار الكرمة عن الخطابات التى تبادلها جلال أمين مع شقيقه حسين أمين على مدى عشر سنوات كاملة.
كانت البداية فى ١٩٥٠، وكان حسين قد ذهب وقتها يعمل مذيعاً فى إذاعة بى بى سى العربية فى لندن، وكان جلال يدرس القانون فى القاهرة، وكانت بينهما مراسلات لم تتوقف.. وفى مرحلة تالية عاد حسين إلى القاهرة، وسافر جلال يدرس الاقتصاد فى كلية الاقتصاد الشهيرة فى لندن، التى يصفها فى خطاب من خطاباته بأنها أحسن مدرسة فى العالم فى موضوعها.
ثم سافر حسين يشتغل دبلوماسياً فى سفارتنا فى كندا، ومن هناك واصل كتابة خطاباته إلى أخيه، وكان جلال يكتب إلى حسين فى كندا ويحرص على ذلك.. وفى كل الأحوال سوف تجد فى الكتاب متعة عقلية من النادر أن تجدها فى كتاب.
الكتاب عنوانه «أخى العزيز» وكتب مقدمته الأستاذ كمال صلاح أمين، أحد أحفاد حسين، وهو الذى جمع الخطابات وحررها، وقد اختار عشر سنوات فقط لتكون هى موضوع كتابه.. ونفهم من المقدمة أن فى الطريق أجزاءً أخرى للكتاب، لأن الخطابات المتبادلة بينهما دامت حتى ١٩٨٧.. يروى كمال صلاح أمين أنه زار جده حسين ذات يوم فوجده فى مكتبته، ووجد أن فى المكتبة عشرة آلاف كتاب، فسأل جده: هل قرأت كل هذه الكتب؟!.. رد حسين أمين فى ثقة وقال: نعم.. وبعضها قرأته أكثر من مرة!.
ويمكن القول إن الكتاب مباراة فكرية من الطراز الفريد بين الأخوين، وهى مباراة على طريقة البينج بونج التى يتبادل فيها لاعبان الكرة فى مهارة وبراعة، وسوف تجد ذلك مثلاً فى خطاب جلال إلى شقيقه عن أنه شاهد مسرحية «الكراسى» ليوجين يونسكو فى لندن، وأنها أعجبته جداً، وأن أسباب إعجابه هى كذا وكذا، وأنه يكاد يذهب لمشاهدتها مرةً ثانية من شدة الإعجاب.
ولكن حسين يضايقه هذا الإعجاب للغاية، فيكتب إلى جلال يلفت انتباهه إلى حقيقة ما فى المسرحية من أفكار عبثية، ويدعوه إلى أن ينتبه حتى لا تنطلى عليه ألاعيب الوغد يونسكو.. فمثل هذا الوغد، على حد تعبيره، لا يجوز أن ينخدع فيه شاب ذكى مثل جلال أمين.
وعندما كتب جلال إلى حسين عن والدهما أحمد أمين، قال إنه لما قرأ كتاب «فجر الإسلام» لأبيه ازداد حماساً للوالد، واكتشف أن نظرته إلى أبيه فى حياته كانت تنطوى على الكثير من الحماقة، وتمنى لو كان أكبر سناً قبل رحيل الأب ليقدر ما كتب كما يجب.
ولكن الغريب أنه لما تكلم عن المقدمة التى كتبها طه حسين لكتاب أبيه، قال إنها لا تزيد عن موضوع إنشاء يكتبه طالب فى ثانوى!!.. وقد تمنيت لو أن حسين رد عليه بأن من حقه أن يزداد حماساً وإعجاباً بالوالد، ولكن ليس من حقه أن يقلل من شأن طه حسين إلى هذه الدرجة.