بقلم : سليمان جودة
يعرف الرئيس السيسى أن الدين يملأ حياة الغالبية من المصريين، ويعرف أن قطاعًا واسعًا من هذه الغالبية ينشغل بالشكل فى الدين لا بالمضمون، ولا يتوقف رأس الدولة عن التنبيه إلى ضرورة أن يحل المضمون محل الشكل فى الموضوع.. وهذا تقريبًا هو ملخص ما كان الرئيس يتكلم عنه مع أئمة الأوقاف الذين شهد حفل تأهيلهم فى مركز المنارة للمؤتمرات.
وإذا كانت الدعوة إلى الاقتداء بالإمام جلال الدين السيوطى قد سادت أجواء الحفل، فلأنه كان واحدًا من أئمة الفقه الكبار الذين يمكن أن يكون قدوة فى عصرنا، وأن يقتدى به أهل الدين عند التعامل مع قضايا الدين.
كان الفقه قضية أساسية فى جدول أعماله، وكان يفرق بين الفقه الذى هو اجتهاد من جانب الذين سبقوه فى قراءة النصوص الدينية، وبين النصوص نفسها، سواء كانت آيات القرآن الكريم، أو كانت أحاديث نبوية لا شك فى صحتها.
وهذا بالضبط ما كان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب قد دعا إليه فى كتابه «القول الطيب»، الذى صدر فى ثلاثة مجلدات عن دار الحكماء للنشر.
فالدكتور الطيب يفرق فى كتابه بين الفقه باعتباره اجتهادًا متغيرًا بطبيعته، وبين الشريعة باعتبارها نصوصًا صحيحة لا كلام فيها. وهو يدعو إلى أن يكون العمل طول الوقت على الفقه لا على الشريعة، لأن المشكلة لدى كثيرين ممن يتصدون لما يسمى «تجديد الخطاب الدينى» أنهم يخلطون بين الفقه وبين الشريعة.
وعندما يقع هذا الخلط فإن أخطر ما ينتج عنه أن كثيرين من عموم الناس يتصورون أن «تجديد الخطاب الدينى» ضد الدين، أو أنه ينال من الدين، أو أنه يعتدى على نصوصه.. وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر ما يفهمه بسطاء الناس إذا قيل لهم إن فلانًا يدعو إلى قراءة متجددة فى آية قرآنية أو فى حديث نبوى صحيح.
مهم جدًا أن نشرح للناس أن المطلوب هو إعادة النظر فيما وصل إلينا من اجتهادات العلماء الذين سبقوا، وأن اجتهادهم يسمى الفقه، وأننا ننظر فيما تركوه لأنهم كانوا بشرًا وأننا بشر مثلهم فى المقابل، ولأن لهم عقولًا كما أن لنا عقولًا، وأن هذه مسألة لا تمس قدسية النصوص الصحيحة، التى إذا نظرنا فيها كما نظروا هُم، وصلنا بفهمنا لها إلى ما يخاطب عصرنا، وليس ما يخاطب عصورًا مضت وانقضت. القصة هى فهم عصرى للدين يضعه فى السياق الصحيح، فالنصوص ثابتة ولكن العصور متغيرة، ولا بديل عن فهم يجعل الثابت يخاطب المتغير.