بقلم - سليمان جودة
فى مرحلة من مراحل حياته، عاش الكاتب الأديب، حسونة المصباحى، فى مدينة ميونيخ الألمانية ٢٠ سنة، فلما عاد إلى بلاده تونس الخضراء اختار أن يقيم خارج تونس العاصمة، وفى المرتين كان يحتفظ بمسافة يحددها هو، سواء بينه وبين بلده فى الحالة الأولى، أو بينه وبين العاصمة تونس فى الحالة الثانية.
هذه المسافة أعطته الفرصة لأن يعرف وأن يتأمل ما عرفه، وعندما كان يجلس ليكتب كان يضع الحصيلة فى صورة من صور الأدب.. وقبل أيام، راح من خلال صفحته على الفيس يزف خبرًا مُفرحًا إلى أصدقائه وقرائه، وكان الخبر أنه فاز بجائزة ابن بطوطة فى أدب الرحلة عن كتابه: أيام فى اسطنبول.
ولم يكن هذا هو الخبر الوحيد المفرح فى حياته مؤخرًا، وإنما كان هناك خبر آخر هو أن روايته الجديدة صدرت عن دار آجورا فى مدينة طنجة المغربية، وأنها صدرت قبل معرض القاهرة للكتاب بأيام، فأتاح لها المعرض أن تصل إلى أيدى القراء.. وكنت حين ذهبت أحصل على نسخة منها قد وجدت الناشر يوسف كرماح فرحًا بها كما يفرح الرجل بنجاح واحد من أبنائه.
الرواية هى «ليلة حديقة الشتاء»، وفيها يجمع المؤلف بين الواقع والخيال، ويخلط بينهما بطريقة مدهشة، ويتحرك مع البطلة «سوزان»، بادئًا من ميونيخ، ومن بعدها إلى إسبانيا، إلى طنجة، إلى تونس، إلى دمشق، إلى بيروت، إلى اسطنبول، التى أتم فيها الرواية، وأرّخ لذلك فى ١٨ من إبريل فى السنة الماضية.
والرواية سيرة ذاتية للكاتب فى جانب منها، ثم هى أدب من صنع الخيال فى الجانب الثانى، وإلى جوار الجانبين جوانب أخرى يصحب فيها الكاتب قراءه فى رحلة ممتدة على مدى سنوات وعيه بالأشياء، وليس أجمل من أن تعيش معه فى طنجة، التى عشقها أدباء كثيرون حول العالم، فجاءوا ليعيشوا فيها ويرتبطوا بها كما يرتبط الطفل بأمه.
لقد عاش فيها أديب فرنسا، جان جينيه، «صاحب يوميات لص»، والذى لما أحس بقرب أجله، أوصى بأن تضم عظامه مدينة العرائش المغربية.. ومن بعده عاش فيها أديب أيرلندا، صمويل بيكيت، صاحب مسرحية «فى انتظار جودو» الشهيرة.. ثم من بعدهما جاء ليعيش فيها أديب أمريكا، بول بوولز، الذى كان يحرص على أن تكون شقته فيها مظلمة ليتعود مسبقًا على ظلمة القبر!.
وسوف تصحب «المصباحى» فى روايته، وهو يصف حياة شاعر العراق، عبدالوهاب البياتى، فى مدريد دون أن يسميه، ولكنك ستستحضر صورة «البياتى»، وستشعر بوطأة الغربة على قلبه ووجدانه، وستراه وهو لا يبغى شيئًا فى دنياه إلا أن يعود إلى بلاد الرافدين، لولا أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!.. وقبل هؤلاء جميعًا، عاش فى طنجة ومات أديب المغرب، محمد شكرى، الذى لا يزال كتابه «الخبز الحافى» هو الأشهر بين أعماله.
يصف حسونة المصباحى نفسه بأنه مخلوق لطرح الأسئلة ورفض الأجوبة الجاهزة، وأن انتماءه هو إلى اللغة العربية، وأن شعبه هُم أصدقاؤه المدسوسون فى جميع أطراف العالم العربى، وأن هذه هى قوته الأساسية.