بقلم - سليمان جودة
حضر الدكتور محمد غنيم، مؤسس مركز الكلى الشهير، مؤتمرا طبيا فى ألمانيا، فلما وقف يتحدث فى الحاضرين خاطبهم بطريقة لم يخاطبهم بها أحد من قبل.. وقد تمنيت لو أنه استدرك فصحح أمامهم شيئا عاشوا يتوارثونه جيلا من وراء جيل، ولايزالون.
تكلم فيهم فقال إنه جاء إليهم من مصر، وليس من القاهرة كما قد يتصورون، وأضاف أنه جاء على وجه التحديد من مدينة تقع شمال القاهرة اسمها المنصورة، ثم حدد لهم معنى اسم المدينة، وكيف أن المعنى هو أنها المدينة التى انتصرت.
وقد راح يشرح لهم أن انتصارها كان على الحملة الصليبية التى ضمت جيوشا من فرنسا، وألمانيا، وإنجلترا، وكان معنى انتصارها الذى وقع قبل ثمانية قرون من اليوم، أنها انتصرت على حلف شمال الأطلنطى الشهير بالناتو، لا لشىء، إلا لأن هذه الدول الثلاث هى أصل الحلف الذى نعرفه فى الوقت الحالى.
ومضى يقول لهم إن قائد تلك الحملة التى قصدت المنصورة كان اسمه لويس التاسع، وأن أبناء المدينة لم ينتصروا عليه وفقط لكنهم أسروه.. فلما وجدوه فى أيديهم، لم يضعوه فى سجن يشبه جوانتانامو، ولا حبسوه فى معتقل يماثل سجن أبوغريب، كما فعل الأمريكان وحلفاؤهم بالسجناء العرب فى الحالتين، لكن أبناء المنصورة احتفظوا بقائد الحملة الأسير فى بيت شهير فى المدينة اسمه بيت ابن لقمان.
أما بقية القصة فهى أن الأوروبيين افتدوا لويس التاسع، وغادر محبسه عائدا إلى بلاده، ولم يتعرض لشىء مما تعرض له سجناء جوانتانامو وأبوغريب.. ولم يحدث هذا فى وقته من فراغ، لكنه حدث لأن مصر بلد حضارة، ولأنها ليست بلد حضارة شكلا، وإنما بلد يمارس حضارته فى كل خطوة يخطوها، وليس أدل على ذلك إلا الطريقة التى تعامل بها المصريون مع قائد الحملة، الذى كان قد جاء يغزو أرض بلدهم.
ومن مقطع الڤيديو الذى يحمل جانبا من المحاضرة، تشعر بأن الحاضرين كانوا مشدودين إلى ما كان الدكتور غنيم يقوله، وتكتشف أنهم كانوا يصفقون له طول الوقت وهو يتكلم فيهم، لأنه دخل عليهم من زاوية لم يعهدوها من مصرى من قبل.
والشىء الذى تمنيت لو أنه صححه لهم أننا لسنا نحن الذين أطلقنا على الحملات الصليبية أنها صليبية، وإنما مؤرخوهم هُم الذين فعلوا ذلك عندما كتبوا عنها.. أما مؤرخونا فأطلقوا عليها: «حروب الفرنجة».. وكان هذا ملمح آخر من ملامح الحضارة التى نحملها.