بقلم - سليمان جودة
سوف تجد مشكلات هذا البلد حلها فى لحظة، لو أننا راعينا فى كل مسؤول نختاره، أن تكون لديه القدرة على الخيال.فلا يزال تمثال إسحاق نيوتن فى لندن يحمل عبارة على قاعدة التمثال تقول: هذا الرجل تفوق على الدنيا بخياله لا بشىء آخر مما كان يملكه.. وعندما جاءت مارجريت تاتشر، رئيسة للحكومة فى العاصمة البريطانية نهاية السبعينيات، كانت تمتلك مواهب كثيرة بحكم تعليمها المتقدم، ولكن الموهبة الأكبر لديها كانت هى نفسها الموهبة التى كان نيوتن يتمتع بها.
وقد تمنيت لو كانت تاتشر حية تُرزق، ولو كنا قد استعرنا عقلها فى موضوعنا الاقتصادى، لنستقر على توجه اقتصادى واضح ينقلنا من منطقة إلى منطقة مختلفة تمامًا.
فهذا بالضبط ما فعلته هى فى بلادها، عندما حكمت على رأس حزب المحافظين ١١ سنة كاملة، ولا تزال هذه الفترة نادرة بين الفترات التى حكمها رؤساء الحكومات فى عاصمة الضباب.. وقد رأينا مؤخرًا كيف تتابع على رئاسة الحكومة فى أقل من شهرين، ثلاثة من رؤساء الحكومة، بدءًا من بوريس جونسون، إلى ليز تراس، إلى ريشى سوناك الذى يحكم حاليًا!.
ولكن فى حالة تاتشر كان الناخب البريطانى يرى ما تفعله لبلاده، وكان يلمس فى حياته ثمار خيالها الاقتصادى، فكان يمنحها الثقة دورة بعد دورة.. وكانت هى من جانبها لا تعرف الألوان الرمادية فى الاقتصاد، وكانت لا تعرف إلا اللونين الأبيض والأسود، وكانت على هذا الأساس تتصرف وتتخذ القرار.
كانت تتطلع فى ناحية من البلاد فتكتشف أن السكة الحديد تخسر وتتراجع، فكانت تذهب إلى خصخصتها على الفور، وكانت تبيعها من خلال أسهم للمواطنين.. وحين فعلت ذلك تحولت السكة الحديد من شركة خاسرة تنتظر الإغلاق، إلى شركة رابحة، ومن مؤسسة تمثل عبئًا على الدولة، إلى مؤسسة تدفع ضرائب للدولة!!.. وكانت تاتشر تتطلع فى ناحية أخرى من البلاد فتكتشف أن حال الخطوط البريطانية لا يختلف عن حال السكة الحديد، فكانت تحررها من ملكية الدولة دون أن تتردد لحظة.. وقد انتقلت الخطوط البريطانية من شركة متداعية قبل تاتشر، إلى شركة رائجة بين خطوط الطيران!.
أتخيل مارجريت تاتشر حية بيننا، وأتخيلها وهى ترانا لا نزال نتجادل فى «وثيقة سياسة ملكية الدولة» من شهور دون الوصول فيها إلى شىء نهائى، ثم أتخيلها وهى تتناول مشروع الوثيقة، فتنتهى منه فى ساعة وتقول: هذا ما للدولة، وهذا ما للقطاع الخاص، ولا شىء فى المنطقة الرمادية!.