بقلم: سليمان جودة
يبدو الأمر وكأن ما يسمى بالربيع العربى الذى عاشت تركيا تغذيه فى المنطقة قد قرر أن يزورها، فالدنيا مقلوبة هناك، والشوارع فى مدينة إسطنبول تمتلئ بالمحتجين، والسبب الظاهر هو قرار الرئيس التركى أردوغان القبض على رئيس بلدية المدينة أكرم إمام أوغلو.
ينتمى أوغلو إلى حزب الشعب الجمهورى المعارض، وما كادت الحكومة تقبض عليه حتى سارع الحزب إلى إعلانه مرشحًا رئاسيًا منافسًا لأردوغان فى السباق الرئاسى المقبل. وقد أضاف هذا الإعلان سببًا آخر إلى أسباب الغضب لدى الحكومة، التى بادلها المحتجون فى شوارع إسطنبول غضبًا بغضب، وجرى القبض على أكثر من ألف منهم، ولا تزال الأحداث تكبر وتتصاعد فى البلاد.
ولكنك لا تستطيع استبعاد الأصابع الإسرائيلية مما يجرى، حتى ولو كانت غير ظاهرة أمامنا، لأن لها مصلحة فى هز مركز أردوغان فى الحكم.
إن تل أبيب لا تُخفى ضيقها من النفوذ التركى المتزايد فى سوريا فى مرحلة ما بعد بشار الأسد، وهى تعرف أن إيران إذا كانت خرجت من الأراضى السورية من الباب، فإن تركيا دخلت من الشباك، وصار نفوذها لدى حكومة أحمد الشرع فى دمشق الآن، أقرب ما يكون إلى نفوذ إيران لدى حكومة الأسد فى زمن مضى.
وقد بقى الخوف الإسرائيلى من الوجود التركى فى سوريا فى نطاق الهمس لفترة، ولكنه خرج إلى العلن فى الأيام الأخيرة، وبلغ الأمر إلى حد أن دوائر إسرائيلية سياسية وإعلامية تتحدث على الملأ عن الصدام المحتمل مع تركيا فوق الأراضى السورية.
صحيح أن العلاقات الاقتصادية بين الإسرائيليين والأتراك كانت فى أحسن حالاتها طوال الوقت، وصحيح أن وقوف أنقرة ضد ما ترتكبه حكومة التطرف الإسرائيلية فى غزة لم يؤثر على مستوى هذه العلاقات، ولكن التطورات التى طرأت بسقوط الأسد أدخلت عناصر جديدة فى الموضوع.. فالإسرائيليون لا يخفون استعدادهم لدعم الأكراد فى الشمال الشرقى السورى، وبكل ما يمثله الأكراد هناك من ألم للأتراك، كما أن الدعم التركى الكبير لحكومة الشرع لا يُريح تل أبيب بأى حال.
هذه هى ملامح المشهد أمامنا، ولأنه كذلك، فإن حضور إسرائيل فى خلفية الاحتجاجات المتصاعدة يبدو منطقيًا.. والذين يتابعون تصاعد الأمور يشعرون وكأن طرفًا خفيًا يصب الزيت على النار، ويريد أن ينقلها من إسطنبول إلى غيرها من المدن، لعل ذلك يخلق لتركيا ما تنشغل به على أرضها، فلا تجد من الوقت ما يجعلها حاضرة فى دمشق.