بقلم - سليمان جودة
الحس الشعبى له طريقته فى التعامل مع الأحداث، وخصوصًا إذا كانت أحداثًا كبرى من نوعية هجوم السابع من أكتوبر، الذى قامت به كتائب عز الدين القسام على المستوطنات الإسرائيلية المجاورة لقطاع غزة.
ولا يختلف هذا الحس من بلد عربى إلى آخر، لأن المزاج العربى فى النهاية مذاقه واحد، وبالذات على مستوى الشعوب لا الحكومات.. ومن ذلك ما بادر به مواطن أردنى فى مدينة الكرك الواقعة جنوب البلاد، عندما افتتح مطعمًا يقدم الشاورما لزبائنه وأطلق عليه: مطعم ٧ أكتوبر.
وما كاد نبأ افتتاح مطعم بهذا الاسم يظهر فى وسائل الإعلام حتى أصيب إسرائيليون كثيرون بالجنون، وفى المقدمة منهم يائير لابيد، زعيم المعارضة فى الكنيست الإسرائيلى، الذى هاجم الفكرة بعنف داعيًا إلى التوقف عن تمجيد ٧ أكتوبر!.
ورغم أن لابيد لا يتوقف عن توجيه السهام إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة فى تل أبيب، ورغم أنه يراه آخر إسرائيلى يصلح رئيسًا للحكومة بسبب الطريقة التى تعامل ويتعامل بها مع الهجوم، إلا أنه أمام مطعم ٧ أكتوبر نسى عداءه مع نتنياهو، وراح يخاطب صاحب المطعم بطريقة أشد تطرفًا من تطرف رئيس حكومته نفسه!.
والغالب أن الجنون الذى أصاب لابيد يرجع فى حقيقته إلى أن موقف الأردن من العبث الإسرائيلى فى غزة والضفة موقف واضح وقوى، ولا يرجع الجنون فى الأصل إلى موضوع المطعم.
فالمؤكد أن المواطن الأردنى لا يمجد ٧ أكتوبر ولا يقدسه، ولكنه فقط يتعاطف مع الضحايا فى قطاع غزة من الأطفال والنساء والمدنيين، ويبحث عن طريقة عملية للتعاطف معهم فلا يجد سوى إطلاق يوم السابع من أكتوبر على مطعمه، ويرى أن ذلك هو أضعف الإيمان الذى يمكن أن يقدمه على سبيل التعاطف لا أكثر.
أما الطريف فهو أن نبأ افتتاح المطعم أثار تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعى، وأما الأشد طرافة فهو أن متفاعلين مع النبأ دعوا يائيل لمبرت، السفيرة الأمريكية فى عمان، إلى تناول ساندويتش شاورما فى المطعم، ولم يفعلوا ذلك إلا لأنهم يعرفون مسبقًا أن السفيرة لمبرت من محبى وجبات الشاورما.
والحقيقة أن الواحد منا كلما راهن على وجود رجل رشيد فى تل أبيب، تبين له أنه رهان على سراب، وليس أدل على ذلك إلا الرهان على لابيد، الذى أظهر وجهه المتطرف فى تعامله مع نبأ المطعم، ومن قبل كان يسوّق لنفسه فى غمار تداعيات الهجوم على أساس أنه سياسى إسرائيلى معتدل، وأن نتنياهو سياسى متطرف فى المقابل، فإذا بهما وجهان لعملة واحدة، وإذا بوجهه المتطرف يتبدى عند أول اختبار، ويتوارى وجهه الذى كنا نظنه معتدلًا.
ولو أن الساسة فى إسرائيل نظروا إلى هجوم ٧ أكتوبر على أنه نتيجة لا مقدمة، فإن الحرب على غزة ستتوقف على الفور.. وعندها سيعرف الإسرائيليون أن سياسات حكوماتهم المتعاقبة هى التى راكمت ما وقع فى ذلك اليوم.