بقلم - سليمان جودة
كل شىء فى بداية حياة زاهى حواس كان يبعده عن العمل فى الآثار، وكل شىء فى طفولته وصباه كان يقول إنه سيفقد حياته نفسها فى وقت مبكر، لولا أن «عُمر الشقى بقى» كما نقول فى أمثالنا الشعبية!. هذا ما سوف تجده فى سيرته الذاتية التى صدرت تحت عنوان «الحارس» عن دار نهضة مصر.. وهذا ما سوف يشدك إلى آخر صفحة من السيرة التى تمتد لأكثر من ٦٠٠ صفحة!.
ففى صغره سقط من فوق حصان كان يحمله مع أبيه، وقد انفتحت رأسه ولا يزال أثر الجرح فيه إلى اليوم.. وفى مرة ثانية سقط من فوق سطح البيت فى قريته فى دمياط، ويومها قامت جدته تصرخ ثم راحت تحمله من الشارع حيث سقط وهى تصيح: زاهى مات!!.. ولكنه قام ولسان حاله يقول: أعطنى عمرًا وألقنى من فوق سطح البيت!.. وفى مرة ثالثة كان عائدًا فى إجازة صيفية إلى القرية، وعند مدخلها جاءت سيارة مسرعة لتقذفه مع حقيبته أمتارًا فى الهواء، ولما صرخ الناس فى المكان قام هو من مكانه يطمئنهم ويصافح كل واحد فيهم!.
وعندما أنهى دراسته قبل الجامعية التحق بكلية الحقوق، ولكنه لم يفهم حرفًا من كتابين فى القانون اشتراهما فى بدء العام الدراسى، فلم يملك سوى التحول عنها إلى كلية الآداب.. وفيها سمع عن قسم جديد للآثار، وقد سارع الى الالتحاق به حين عرف من زميلة له أن خريجيه يعملون مترجمين!.
ورغم أنه قضى فى الكلية أربع سنوات كاملة فإن الدراسة لم تعجبه، وكان ينتقل من سنة دراسية إلى أخرى وهو راسب فى مادة وأحيانًا فى مادتين، وفى الليسانس حصل عليه بتقدير مقبول.. وهو لا يُخفى هذا ولا يداريه، وإنما يقوله فى الكتاب وفى كل مكان.. ولا يقوله بالطبع على سبيل التشجيع على عدم التفوق الدراسى، ولكنه يقوله ليشير إلى أن عدم التفوق فى الدراسة ليس نهاية الدنيا، وأن الإنسان يستطيع أن يعوض ذلك بعد التخرج إذا عمل فى مجال يحبه!.
وهو بعد تخرجه قد راح يدق كل باب للعمل إلا باب الآثار.. راح يدق باب الفن ولكنه لم ينفتح أمامه.. ولما استدار يطرق باب العمل فى السياحة وجده مغلقًا.. وقد فكر فى العمل الدبلوماسى ودخل امتحانه بالفعل لولا أنه تشاجر مع الممتحن وغادر الخارجية غير نادم!.
ولكن نداهة الآثار كانت فى انتظاره، وقد مضى وراءها إلى أبعد مدى ممكن، وكان دليل ذلك أنه لما ألقى محاضرة فى مدريد أمام ١٨٠٠ شخص، سمع من الملكة صوفيا، ملكة إسبانيا، أن هذا العدد لا يجتمع فى مكان إلا ليشاهد مصارعة الثيران أو رقصة الفلامنكو