بقلم - سليمان جودة
تقسيمات الشهور على الورق تقول إن يناير هو أول السنة وإن ديسمبر آخرها، ولكن تقسيمات الحياة العملية تقول إن سبتمبر أول السنة وإن أغسطس آخرها.
ورغم أن فصل الخريف يبدأ فى الحادى والعشرين من سبتمبر، ورغم أن كلمة الخريف نفسها ترتبط بين الناس بالنهايات لا البدايات، فإن هذا لا ينفى أن سبتمبر يأتى فيتسرب معه إحساس بأن عامًا قد مضى، وأن عامًا جديدًا يبدأ وتبدو ملامحه أمامنا.
ومن ملامحه أن الحكومة تعود من مقرها الصيفى وتهجره، وأنها تعاود الذهاب إلى مقاعدها التى تظل فيها طول السنة، وأنها تترقب تغييرات فيها وتتحسس شكل هذه التغييرات، وأنها تغادر مقر الصيف ولا تعرف ما إذا كانت سترجع إليه مرةً ثانية.
ولا يتوقف الرجوع على الحكومة وحدها لأن الناس أنفسهم يعودون من مصايفهم إذا غربت شمس أغسطس، والذين يتأخرون فى العودة أيامًا يشعرون بأن طعم المصيف صار مختلفًا، وأن الشاطئ له مذاق يتبخر مع انتهاء أغسطس بالذات.
ولا تنتهى أجواء الصيف مع أغسطس وإنما تستمر، وقد تأتى أيام فى سبتمبر أشد حرارةً ورطوبة من أيام الصيف كله، بل إن هذا هو ما أصبح يحدث ويتكرر فى السنوات الأخيرة، ومع ذلك فإنه مع نهاية أغسطس يترسخ إحساس فى داخلنا بأن الصيف قد لملم أوراقه ورحل، أو أنه يجمع أشياءه ليفارق بعد أن أرهق الناس.
ولا يزال سبتمبر هو شهر العودة إلى مقاعد الدراسة، وإذا لم يكن هو شهر العودة فإنه شهر التأهب لذلك، ولا معنى لهذا إلا أن عامًا جديدًا قد بدأ، وأن عامًا آخر قد سبقه، وأن هذا الشهر هو الشهر الذى تفتح فيه فصول المدارس وقاعات الجامعات أبوابها، وتتهيأ لاستقبال ضيوفها الجُدد، وتدب فيها الحياة التى كانت قد ماتت أو كادت.
رياح سبتمبر لا تزال إشعارًا بالحياة، ومجىء هذا الشهر من السنة هو مجىء للأمل بمعنى من المعانى، وكلما أطل سبتمبر كانت إطلالته إشارة إلى أن ما مضى قد مضى، وأن السنة المنقضية قد استدارت، وأن هذه الأيام السبتمبرية هى أول أيام السنة التى تُولد فى رحم الغيب، وأن على الذين ربطوا بداية العام بشهر يناير أن يُعيدوا ترتيب الأوراق والمفاهيم.