بقلم - سليمان جودة
قال أنتونى جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إن هجوم ٧ أكتوبر على إسرائيل لم يكن من فراغ، فأقامت تل أبيب الدنيا عليه ولم تُقعدها، وقررت إلغاء زيارة له كان من المقرر أن يبدأها إلى الدولة العبرية.
ومن بعدها أطلق الرجل تصريحًا قال فيه إنه مصدوم ليس فقط من رد الفعل الإسرائيلى على ما قاله، ولكن من تحريف حديثه عن هجوم السابع من أكتوبر.
ولم يكن جوتيريش يقصد تبرير ما وقع من هجوم، ولكن كل ما كان يريد أن يقوله إن من الضرورى وضع الأمر فى سياقه السابق عليه، وإن سياسات حكومة بنيامين نتنياهو منذ مجيئها للحكم فى ديسمبر ٢٠٢٢ كانت من الأسباب التى مهدت الطريق أمام هجوم السابع من الشهر.. ولم يكن الأمين العام متجنيًا على إسرائيل ولا على حكومتها، ولكنه كان يصف ما عاش يتابعه وما عشنا نتابعه معه على أرض فلسطين طول الفترة من ديسمبر إلى اليوم.
ولو فكر الرجل فى أن يجرى انتخابه لفترة ثالثة فى منصبه، بعد ثلاث سنوات من الآن، فالغالب أنه سيواجه ڤيتو أمريكيًّا بتحريض من تل أبيب.. فمن قبل كان كورت ڤالدهايم، الأمين العام الأسبق، قد واجه ڤيتو صينيًّا، عندما فكر فى أن يجلس على رأس الأمم المتحدة لفترة ثالثة.. والأسباب طبعًا مختلفة بين الڤيتو الصينى فى ١٩٨١، وبين الڤيتو الأمريكى المتوقع عندما يأتى أوانه.
أما الدكتور بطرس غالى فهو الأمين العام الوحيد، الذى قضى ولاية واحدة على رأس هذه المنظمة الدولية، لا لشىء، إلا لأنه عندما أحب أن يستمر ولاية ثانية، وجد الڤيتو الأمريكى فى انتظاره، وقادت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، حملة سياسية شديدة ضده، وكانت النتيجة خروجه بعد ولاية واحدة، ولا تزال حكايته فريدة من نوعها لأنها لم تحدث مع أمين عام قبله ولا بعده.. ولم يكن قد أخطأ فى حق الولايات المتحدة فى شىء، ولكن كل ما فعله فى ذلك الوقت أنه أذاع تقريرًا عن مذابح قانا الشهيرة، التى ارتكبتها إسرائيل فى لبنان ١٩٩٦.
ومن حُسن حظ جوتيريش أنه فى فترته الثانية من يناير قبل الماضى، وربما لهذا السبب امتلك الشجاعة ليقول ما صدر عنه بشأن الهجوم.. ورغم أن ثلاث سنوات لا تزال تفصل بينه وبين التجديد له لفترة أخرى، فإن إسرائيل لن تنسى له ما قاله لأن حديثه عرّى موقفها أمام الدنيا، وأحرجها على مرأى من العالم.
بعد ثلاث سنوات من الآن، سيجد الأمين العام أنه على موعد مع نهاية ولايته الحالية، وإذا فوجئ بالڤيتو الأمريكى فى انتظاره وقتها، فسوف لا يكون أمامه إلا أن يغادر ولسان حاله يردد ما كان بطرس غالى يردده ويقول: كلمة الحق لم تترك لى صديقًا.