بقلم - سليمان جودة
اشتهر عمر الخيام برباعياته الشهيرة التى غنَّتْها أم كلثوم، وترجمها عن الفارسية أحمد رامى، ولحنها رياض السنباطى، والتى يقول فى رباعية منها: فما أطال النوم عمرًا، ولا قصّر فى الأعمار طول السهر!.. ولكن هذا بالطبع رأى «الخيام»، باعتباره واحدًا من الصوفيين الكبار، أما الأطباء فلابد أن لهم رأيًا آخر لا ينصح بالسهر!. أما لماذا يسمى الصوفى بأنه صوفى، فهناك كلام كثير فى البحث عن السبب، ولكن المتفق عليه بين الذين تعرضوا للموضوع أن ارتداء الصوف على سبيل الزهد فى الدنيا كان هو السبب منذ البداية.
وقد أعادت دار الكرمة للنشر إحياء رباعيات «الخيام»، فنشرت ١٣٠ رباعية منها فى كتاب، وهى رباعيات كان الشاعر العراقى جميل صدقى الزهاوى قد ترجمها فى بدايات القرن الماضى، وكان تقديره أن الغرب لم يأخذ من أدب الشرق أجمل من الرباعيات!.
يقول «الخيام»، فى واحدة من الرباعيات: لا تظن أننى أخاف الناس أو أخشى المَنِيّة وزهوق الروح. الموت حقيقة لا أخشاها، ولكننى أخشى كونى لم أُحسن العيش.
و«الخيام» مولود فى النصف الأول من القرن الحادى عشر الميلادى، وكان مولده فى نيسابور فى بلاد فارس، التى هى إيران حاليًا، وكان شاعرًا، وفيلسوفًا، وعالِمًا فى الفلك، وفى التاريخ، وفى الرياضيات، وفى اللغة، وفى الفقه.. وفى نيسابور نفسها وُلد أيضًا فريد الدين العطار النيسابورى، صاحب كتاب «منطق الطير»، الذى يجعل الهدهد مرشدًا للطير فى طريق الوصول إلى الحضرة العلِيّة.
وفى رباعية أخرى يقول «الخيام»: أنا عبدك العاصى فأين رضاؤك، أنا المظلم قلبه فأين نورك وصفاؤك، إنْ كنتَ تهبنا الجنة بالطاعة لك كان ذلك بيعًا، فأين فضلك وعطاؤك؟.
وفى رباعية ثالثة يقول: «كان قبلى وقبلك ليل ونهار، وكان الفلك يجرى إلى غاية. خفِّف الوطء على الأرض، فقد كان ما تطؤه إنسان عين حسناء..»، وتتوزع فصول الكتاب بين ما قاله عمر الخيام فى العظة، وفى الحكمة، وفى العشق، وفى الأخلاق، وفيما خاطب به الله.
ذات مرة، التقى رجل صوفى مع واحد من العلماء، فقال العالِم مخاطبًا الصوفى: ما أعرفه تراه!.. وقال الصوفى مخاطبًا العالِم: ما أراه تعرفه!.. والمعنى أن هناك فرقًا بين الصوفيين وبين العلماء فى أداة الرؤية، فالفريق الأول يرى بقلبه، ولكن الثانى يرى بعقله، مع أن الشىء المرئى فى الحالتين واحد لا يتغير!.