بقلم - سليمان جودة
كان المشير أحمد إسماعيل على، وزير الدفاع أيام حرب أكتوبر، هو الرجل الثانى في الحرب بعد السادات، وكان فارق العمر بينهما سنة واحدة لأن السادات مولود في ١٩١٨ ولكن المشير مولود في ١٩١٧.
وقد مات يرحمه الله بعد الحرب بسنة لا أكثر، وكان عند رحيله قد أتم بالكاد ٥٧ سنة، وفى قائمة الذين حملوا رتبة المشير، أعلى رتبة في العسكرية المصرية، يظل هو القائد الثانى الذي حملها بعد المشير عبدالحكيم عامر.
ولو أمد الله في عمره وكتب تجربته، لكان كتابه هو ثانى أهم الكتب التي أصدرها القادة عن الحرب والنصر بعد «البحث عن الذات» للرئيس السادات.. ولكنه رحل في سن مبكرة، فلم يجد الوقت الذي يسعفه بتسجيل تجربة فريدة عاشها.
ومن حُسن الحظ أن المشير الجمسى عندما كتب مذكراته ونشرها في ١٩٨٩، قد نقل بعض ما كان يدور بينه وبين المشير إسماعيل في أيام الحرب من أحاديث ونقاش.. وقتها كان الجمسى يحمل رتبة لواء، وكان يشغل موقع رئيس هيئة العمليات، وكان هو الرجل الثالث في ترتيب القيادة بعد إسماعيل، والفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة.
ويمكن القول إن مذكرات المشير إسماعيل قد كتب عنه بعضها المشير الجمسى لأن هذا حاصل في مذكرات الجمسى بالفعل، ولأنهما كانا متقاربين في وجهات النظر، على العكس من الشاذلى مثلًا، الذي لم يكن كذلك بالنسبة للمشير إسماعيل.
ومما نقله عنه الجمسى، على سبيل المثال، حديثه الدائم عن أن الإنسان هو الذي ينتصر في الحرب وليس السلاح، وأن هذا الإنسان لا يمكن أن ينتصر في الحرب مهما كانت درجته ورتبته العسكرية، ومهما أعطيته من سلاح، إلا إذا كان مؤمنًا بقيادته، وسلاحه، وعدالة قضيته، وإلا إذا كان مؤمنًا بالله تعالى قبل ذلك كله وبعده أيضًا.
وبكلماته هذه لخص نصر أكتوبر في كلمات معدودة، وأعطانا مفتاح النجاح في الحرب، وفى كل حرب من بعدها، ولو أنت قرأت شيئًا مما كتبه العسكريون الإسرائيليون عن الحرب نفسها، فسوف تجدهم على اتفاق كامل معه عن قصد أو عن غير قصد.. كانوا يتحدثون عن السلاح في أيدى جنودنا وقتها، ولكنهم كانوا يتحدثون أكثر عن الإنسان الذي كان يحمل هذا السلاح.
وسوف تجد هذا في كلام موشى ديان، وزير دفاع إسرائيل وقت الحرب، وتجده في كلام ديڤيد أليعازر، رئيس الأركان، وتجده في كلام إيلى زعيرا، قائد المخابرات العسكرية.. فالثلاثة لم يلتقوا على شىء وهُم يتابعون ما كان يجرى من جانبنا على الجبهة بقدر ما التقوا على المعنى الذي أراد المشير الثانى أن يرسخه في عقولنا.