بقلم - سليمان جودة
سوف يبقى شهر أكتوبر عندنا شهرا للانتصارات الكبرى، لأننا منذ ٥٠ سنة كنا على موعد فى السادس منه مع النصر الذى عبر بنا من حالة اليأس إلى شاطئ الأمل، ولايزال الأمل يتجدد فيه كلما أطل علينا سنة من بعد سنة.
أما عالميا فالشهر نفسه هو شهر نوبل، لأن فيه تخرج الأكاديمية السويدية على العالم لتعلن جوائزها التى ينتظرها الناس من عام إلى عام.. وقد كنا على موعد معها أربع مرات من قبل، عندما راحت تدق باب السادات فى السلام، ومن بعده نجيب محفوظ فى الأدب، وأحمد زويل فى الكيمياء، ومحمد البرادعى فى السلام.
ولاتزال الأكاديمية السويدية تفضل الإعلان عن جوائزها متفرقة يوما بعد يوم، ولا تخرج بها على الفائزين مرةً واحدة، كأنها تقصد أن توزع الفرح بها على مر الأيام، بدلا من أن يفرح بها العالم فى يوم واحد، ثم يعود للبؤس الذى يقوم وينام فيه.
ومع بداية الشهر أعلنت الأكاديمية أن جائزتها فى الطب ذهبت إلى أمريكى ومجرية، وأنهما نجحا فى تطوير لقاحات وباء كورونا.. ومن بعدها ذهبت جائزة الفيزياء إلى فرنسى، ونمساوى، وسويدية، لأنهم نجحوا فى استكشاف الإلكترونات داخل الذرات والجزيئات.
أما جائزة الكيمياء فلقد كانت من نصيب ثلاثة علماء، أولهم أمريكى، والثانى مولود فى روسيا، والثالث فرنسى من أصل تونسى، والثلاثة أخذوها فى جسيمات النانو الصغيرة جدا، التى ستفيد البشرية فى مجالات كثيرة، أهمها جراحات الطب فى المرض الخبيث.. وفى الأدب ذهبت الجائزة تطرق باب الأديب النرويجى يون فوسه.. وفى السلام دقت الجائزة باب السجينة الإيرانية نرجس محمدى، ولا يتبقى سوى جائزة الاقتصاد التى يترقبها أهل الاقتصاد فى كل مكان.
وقد استوقفنى فوز منجى الباوندى بها فى الكيمياء، لأنه فرنسى من أصل تونسى، ولأنه بالتالى عربى الأصل، ولأنه سوف يجلس إلى جانب زويل الذى يشاركه الانتماء العربى، ويشاركه الحصول على الجائزة فى الفرع نفسه، وربما فى ذات التخصص، لأننا كنا نسمع من زويل عن حصوله على جائزته فى الفيمتو ثانية، واليوم نسمع من المنجى عن حصوله عليها فى النانو الصغير للغاية.
وهكذا فالجائزة فى العلوم الثلاثة الأهم، من الطب إلى الفيزياء إلى الكيمياء، جاءت أوروبية غربية تماما، ولا يمكن احتساب المنجى على أنه عربى مائة فى المائة، لأنه مولود فى فرنسا ومقيم فى أمريكا، ولا يحمل الصفة التونسية إلا على أن أصوله كانت تونسية ذات يوم.
هل يمكن الحديث عن انحياز نوبل إلى علماء الغرب؟.. إن ماضينا العلمى هنا فى المنطقة يؤهلنا لأن نكون فى كل سنة على قائمة هذه الجائزة التى لاتزال أرفع الجوائز، لكنها لا تنظر إلى الماضى بقدر ما تتطلع إلى الحاضر، فتذهب فى كل عام إلى حيث تجد التعليم الجيد الذى يفرز العلماء.