بقلم - سليمان جودة
مرّ الدكتور أحمد جلال، وزير المالية الأسبق، بتجارب كثيرة بين النظرى والعملى فى الحياة، وخرج منها بالكثير من الدروس، وربما كان الدرس الأهم أننا فى حاجة إلى عمل كثير وكلام قليل.. وهذا ما سوف تجده فى كتابه الجديد، الذى صدر بعنوان «ضد التيار» عن دار المحروسة.. وقد أراده رصدًا لتجاربه التى مر بها طوال السنوات العشر السابقة على ٢٥ يناير ٢٠١١، ثم السنوات العشر التالية لذلك اليوم الفاصل فى تاريخنا المعاصر.
ولأنه آمن بمدى حاجتنا إلى العمل الكثير والكلام القليل، فإنه قد جعل فصول كتابه المتلاحقة تطبيقًا لهذه الفكرة، فكانت سريعة الإيقاع تنتقل فى خفة من موضوع إلى آخر، وفى النهاية قدم الخلاصة فى سطرين اثنين.
وقبل أن يقدم الخلاصة فى سطرين، كان قد ذهب يطوف بالقارئ عشرين سنة، وكان يأخذه مرة إلى المركز المصرى للبحوث الاقتصادية، حيث قضى أعوامًا على رأسه، ثم كان يأخذ القارئ مرةً ثانية إلى منتدى البحوث الاقتصادية، حيث قضى أعوامًا أخرى، وهذه الأعوام كلها كانت فى الفترة السابقة على ذلك اليوم الفاصل.
ويمكن القول إن مشاركته فى الحياة الاقتصادية قبل ٢٥ يناير كانت نظرية إلا قليلًا، وإن مشاركته فيما بعد ٢٥ يناير كانت عملية إلا قليلًا.. ففى المرحلة الأولى كان على رأس المركز والمنتدى، وكان يفرز الأفكار ويتيحها لمن يشاء، ولكنه فى المرحلة الثانية اقترب أكثر من معمعة الحياة، وبلغ اقترابه ذروته عندما جلس على رأس وزارة المالية فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى الانتقالية.
يجمع الكتاب فى فصوله بين ما هو عملى فى حياة المؤلف، وبين ما هو نظرى على مستوى المحاضرات والأوراق والبحوث، وكانت محاضرته فى الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع فى مايو من السنة الماضية، هى مسك الختام فى الكتاب، ولما اختار لها عنوانًا كان كالتالى: نحو اقتصاد مصرى قادر على مواجهة التحديات.
وهو قد رصد التحديات وشرحها، وتعامل معها بالشكل العلمى الذى يجعل من المقدمات طريقًا إلى النتائج، وكان تقديره أن اقتصادنا يواجه تحديات داخلية وخارجية، وأن مواجهتها ممكنة، وأن النجاح فى ذلك مضمون ولكن بشرط.. أما الشرط فهو الخلاصة، وأما الخلاصة فهى ثلاث خطوات متوازية لا بديل عن اتخاذها: سياسات تذهب بنا إلى تحقيق التوازن المالى، ونمو يقوم على الإنتاجية أكثر مما يقوم على أى شىء آخر، ثم توزيع أكثر عدالة لعوائد النمو على بسطاء الناس.. ولا شىء رابع!.