إيران وإغراءات التحول الدولاري

إيران وإغراءات التحول الدولاري

إيران وإغراءات التحول الدولاري

 العرب اليوم -

إيران وإغراءات التحول الدولاري

أمير طاهري
بقلم : أمير طاهري

هل نتحول إلى الدولار أم لا؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه النخبة الحاكمة في طهران سرا، وبصورة متزايدة علنا. من بين القضايا الخلافية المطروحة هنا مسألة قبول الدولار الأميركي بصفته عملة ثانية بحكم الأمر الواقع في إيران في وقت تواصل العملة الوطنية، المعروفة غالبا باسم «تومان»، اتخاذ مسار منحدر يدخل عامه الخامس.
وفقا لمحمد رضا فرزين، حاكم البنك المركزي الإيراني المُعين حديثا، فإن إيران قد أنهت لتوها عامها الرابع من النمو الاقتصادي السلبي، وتدخل عامها الخامس من دون احتمالات واضحة بحدوث تحول لعامين آخرين مقبلين على أقل تقدير.
يُلقي فرزين باللائمة في الأداء السيئ على ثلاثة عوامل: موجة السيولة العارمة التي غذت معدل التضخم الذي، كما يزعم، يقترب من 50 في المائة سنويا، ثم انعدام الانضباط من جانب القطاع المصرفي الذي هو المفلس تقنيا، وأخيرا، مخاوف واسعة النطاق بشأن المستقبل، التي أدت إلى تعطش لا يرتوي ظاهريا للدولار الأميركي على جميع مستويات المجتمع تقريبا. ويُحقق البنك المركزي الإيراني ربحا بنسبة 15 في المائة من الدولارات المبيعة إلى المصارف شبه الخاصة.
في العام الإيراني الأخير، الذي انتهى في 20 مارس (آذار)، حوّل الإيرانيون كثيرا من مدخراتهم إلى الدولار الأميركي. ولم يوضح فرزين أي جزء من 16 مليار دولار من أموال القطاع الخاص التي سُربت خارج البلاد. لكن الأرقام الرسمية تشير إلى أن المستثمرين الإيرانيين من القطاع الخاص صاروا الآن على رأس قائمة الرعايا الأجانب الذين يستثمرون أو يبتاعون العقارات في تركيا، وجورجيا، وعُمان، ودبي، ومؤخرا كازاخستان.
بحسب فرزين، من المعروف أن البنك المركزي قادر على توفير الـ65 مليار دولار التي تحتاج إليها الحكومة لتغطية نفقاتها المتوقعة في الأشهر الـ11 المقبلة. لكن ما لم يعلنه هو مقدار ما قد يأتي من طباعة مزيد من العملة المحلية، وبيع الدولارات الأميركية للمستثمرين الإيرانيين من القطاع الخاص. ومع ذلك، فقد ألمح إلى أن السيولة من المقرر أن تنمو بنسبة هائلة تبلغ 25 في المائة في الفترة نفسها.
تعتبر الحكومة المصدر الرئيسي للدولار بفضل صادرات النفط، وهي أيضا المستفيد الرئيسي من انخفاض قيمة العملة الوطنية. وهذا يؤدي إلى خلل أساسي في الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة. فمن جهة، تحتاج إلى طباعة المال للتعويض عن نقص النمو، ومن جهة أخرى، يتعين عليها ترويض التضخم لتشجيع الاستثمار والإنتاجية والعودة إلى النمو الاقتصادي.
السبب الجوهري لنقص التضخم في جانب العرض الذي لا يمكن تعويضه بالواردات الجماعية هو عندما تكون العملة الوطنية متوترة. وخفض قيمة العملة، سواء أكان مقصودا أو غير مقصود، فمن الممكن أن يعزز الإنتاج المحلي، ولكن كما يحدث في حالة إيران، فإن زيادة الإنتاج المحلي مقرونة بعملة رخيصة تشجع الصادرات، وبالتالي تتفاقم مشكلات العرض على المستوى الوطني.
هناك عامل آخر يؤدي إلى تفاقم الموقف، هو إعانات الدعم التي تقدمها الحكومة على أمل الحد من الضغوط التي يفرضها التضخم على الأسر. على سبيل المثال، تمارس شركات خاصة عملية إعادة تصدير البنزين ومجموعة من المنتجات البتروكيماوية بأسعار مدعومة إلى تركيا وأرمينيا والعراق؛ حيث تتحول الإجراءات إلى دولارات أميركية نادرا ما تعود مرة أخرى إلى إيران.
تفيد التقارير الرسمية بأن استهلاك البنزين في إيران يتزايد بمعدل سنوي قدره 9 في المائة وهو أمر شاذ عندما يكون هناك نمو اقتصادي سلبي. السبب في ذلك يرجع للتصدير شبه الرسمي إلى البلدان المجاورة للحصول على الدولارات الأميركية. وبالتالي، فإن إيران تبيع بنزينا أقل من سعر التكلفة ليس فقط للصين، التي حصلت على تخفيض بنسبة 20 في المائة في سعر البرميل العالمي، وإنما لعدد من البلدان المجاورة كذلك.
بفضل التخفيضات السخية، تستقل الصين حاليا بنسبة 30 في المائة من صادرات النفط الإيرانية، ومن المقرر للنسبة أن تتجاوز 50 في المائة بحلول عام 2028، ما من شأنه خلق حالة شرائية شبه احتكارية تصبح الصين فيها قادرة على فرض مزيد من التخفيضات على الأسعار.
يُلمح فرزين، وأعضاء جدد آخرون في الفريق الاقتصادي للرئيس إبراهيم رئيسي، بالفعل، إلى زيادة في أسعار البنزين المحلية، وهي خطوة يمكن أن تؤدي إلى إعادة أعمال الشغب في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي شهدته إيران قبل نحو عقد من الزمن.
كما لمح ماجد عشقي، الرئيس الجديد لبورصة طهران، إلى التحول للتعامل بالدولار بوصفه وسيلة لتشجيع المتداولين المحليين على الاستثمار في الأعمال التجارية العامة والممتلكات المقرر خصخصتها. وقد وافقت البورصة للتو على إنشاء 90 صندوقا استثماريا جديدا باستخدام الدولار الأميركي عملةً فعلية.
كان الحديث عن التحول إلى التعامل بالدولار بوصفه وسيلة لترويض التضخم وتحقيق استقرار الاقتصاد سببا في تشجيع عدد من النقابات العمالية بالقطاعين العام والخاص على المطالبة رسميا بنظام تُحسب فيه أجور ورواتب الموظفين والمتقاعدين بالدولار بدلا من العملة الوطنية. ولأن الدولار الأميركي، مقارنة بالعملة الوطنية، مستقر إلى حد ما، فإن أصحاب الأجور والمرتبات سوف يتمتعون بحماية جزئية ضد التأثيرات المدمرة للتضخم الجامح.
هذا من شأنه أيضا تشجيع مستثمري القطاع الخاص على وضع مدخراتهم في الشركات والممتلكات التي خُصخصت حديثا. وفي الفترة بين 2010 و2015، تكبد مستثمرو القطاع الخاص خسائر فادحة إثر الانتكاسات التي شهدتها بورصة طهران.
قد يجد المستشارون الاقتصاديون الجدد لرئيسي صعوبة في إقناع صناع القرار النهائيين، الذين يعتقد أنهم جزء من الدائرة القريبة للمرشد الأعلى علي خامنئي، بالموافقة على التحول الكامل إلى الدولار من النوع الذي ساعد عدة بلدان، وخاصة الأرجنتين، على ترويض التضخم والعودة إلى النمو الاقتصادي.
الواقع، أن الدائرة المقربة تعمل على مخطط مختلف يهدف إلى ربط الاقتصاد الإيراني بالاقتصاد الصيني، وبالاقتصاد الروسي بدرجة أقل. ولقد طُرحت هذه الفكرة باعتبارها جزءا من مخطط من قبل الثلاثي (إيران، والصين، وروسيا) يهدف إلى «إطاحة الدولار» وتقليص قوة الولايات المتحدة الاقتصادية على مستوى العالم. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه كانت قرار طهران بقبول العملة الصينية، في مقابل جزء من واردات النفط من إيران.
المشكلة أنه في حين تتولى السوق تحديد قيمة الدولار الأميركي، فإن قيمة العملة الصينية تُحددها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. وعليه، وكما هو الحال في أي احتكار شرائي، فإن الصين سوف تكون قادرة على سداد أي مبلغ لإيران تقرره اللجنة المركزية.
من ناحية أخرى، تعمل الدائرة القريبة من المرشد الأعلى على إضافة خصائص إلى استراتيجيتها الاقتصادية. بدأت باقتصاد مُوَحِّديّ، ثم صار اقتصادا إسلاميا خالصا، والآن يُقدمُ باعتباره اقتصاد المقاومة الإسلامية. لن يكون من اليسير ضخ الدولار الأميركي ضمن ذلك المزيج المثالي. ومع ذلك، مع أولئك الذين لا يتعاملون مع الاقتصاد باعتباره علما له قواعده الخاصة، فإن المرء لا يستطيع أن يعرف أبدا.

   

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وإغراءات التحول الدولاري إيران وإغراءات التحول الدولاري



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab