خيارات إيران والتحدي المدمر

خيارات إيران والتحدي المدمر

خيارات إيران والتحدي المدمر

 العرب اليوم -

خيارات إيران والتحدي المدمر

بقلم : أمير طاهري

 يقول مثل قديم إن كل أزمة قد تكون فرصة، والأزمة الحالية بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة قد لا تكون استثناء، فقد أثارت حالة الهياج الشديد بين الجانبين، إلى جانب ما يمكن تسميته «دبلوماسية الإيماءات»، الاهتمام بما يمكن اعتباره «صراعاً نصف خامل». ويمكن لهذا الاهتمام المتجدد أن يستغل لإقناع الجانبين وغيرهما من المعنيين بـ«مشكلة إيران» بإعادة دراسة الأسباب الجوهرية للصراع. وفي حال حدوث ذلك، يمكن المحاولة لنزع فتيل الأزمة.
لكن قبل ذلك يمكن القيام بعدد من الخطوات. بادئ ذي بدء، يجب أن ندرك أن الأزمة المعنية ليست ناجمة عن أي من الأسباب التقليدية للصراع بين الدول. فمشكلة إيران والولايات المتحدة ليست حدودية، والولايات المتحدة لا تقاتل من أجل الوصول إلى الموارد الطبيعية، ولا تسعى أي من الدولتين إلى انتزاع الحصة السوقية من الأخرى، ولم تشتك أي منهما من اضطهاد الأخرى لأقليات أو دول تعنيها، ولا تتقاتل الدولتان حول موارد المياه أو بحثاً عن فرصة النفاذ إلى البحار المفتوحة ولا تتقاتلان لحسابات تتعلق بالأمن القومي.
بمعنى آخر، فإن الصراع ليس صراعاً دولياً كلاسيكياً والسبب هو أن إيران لم تعد تتصرف بوصفها دولة قومية، وإنما بوصفها أداة آيديولوجية. قد يرى المرء أن الجانب الآيديولوجي موجود أيضاً على الجانب الأميركي كما يتضح من الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومع ذلك، وكما أظهرت عقود من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي كخصم آيديولوجي، فإن الولايات المتحدة نجحت في معظمها في وضع الجانب الآيديولوجي للنزاع في إطار سلوك الدولة القومية.
في النزاع الحالي مع الجمهورية الإسلامية، أشارت الولايات المتحدة في عدة مناسبات إلى أنها يمكن أن تفعل الشيء نفسه، شريطة أن يواصل الملالي نضالهم الآيديولوجي ضد «القيم الأميركية» كدولة قومية، ومن خلال معايير السلوك الدولي المقبولة. لم تشارك الولايات المتحدة أبداً ولم توافق على الآيديولوجيا الشيوعية للاتحاد السوفياتي، لكنها كانت قادرة على التعامل معها بوصفها عنصراً واحداً من بين كثير من العناصر في علاقة معقدة. من نيكيتا خروشوف فصاعداً، كان القادة السوفيات مستعدين دوماً لمثل هذا النهج وما زالوا يقولون إنهم أرادوا «دفن الرأسمالية» واستفادوا بشكل كبير من الفنون السوداء وغيرها من أهل الأشكال الفنية التي تخدم قضيتهم. ومع ذلك، فقد تم كل ذلك ضمن معايير سلوك «الوحش البارد». بمعنى آخر، كان الاتحاد السوفياتي يسعى لتحقيق أهدافه الآيديولوجية التي تلاشت أطرها بمرور الوقت باستخدام طرق غير آيديولوجية.
عام 1970، عندما قررت إيران إقامة علاقات دبلوماسية مع «الصين الحمراء»، لم تطالب إيران الصين بالإقلاع عن الشيوعية، أو حتى التوقف عن استضافة العشرات من الإيرانيين المناهضين للشاه الذين سافروا إلى الزعيم ماو تسي تونغ لتدريب المقاتلين. كل ما طالبت به طهران هو أن تكف بكين عن تسليح المتمردين العمانيين الذين ينطلقون من جمهورية اليمن الجنوبي، الخاضعة في ذلك الحين للهيمنة الشيوعية، وأن تبرم اتفاقاً تجارياً مع إيران. بعد عامين، شجع نجاح التجربة الإيرانية الصينية إدارة الرئيس نيكسون في واشنطن على إطلاق عملية تطبيع مع بكين، مما أدى في النهاية إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة.
ومع ذلك، قد لا تكون السوابق التاريخية قابلة للتطبيق دائماً في كل حالة نزاع.
عموماً، فإنني أجد في هذه اللحظة صعوبة في تخيل الجمهورية الإسلامية بقيادة آية الله علي خامنئي الغريبة تضحي بذرائعها الآيديولوجية، من أجل تعزيز مصلحة إيران كدولة.
ورغم صعوبة تخيل ذلك، ففي حال أمكن الحفاظ على المستوى الحالي من الضغط من خلال المعارضة الداخلية، ومن الخارج عن طريق خصومها الكثيرين، فقد تضطر إيران إلى التفكير في خيارات أخرى إلى جانب ما ينطوي عليه التحدي المدمر.
الإمام الثاني حقق عودة مذهلة داخل المؤسسة الخمينية. ففي الشهر الماضي أعيد نشر سيرة ذاتية له كتبها مؤلف عربي وترجمها خامنئي مع مقدمة، واستخدمت حجة لمناقشات مكثفة في وسائل الإعلام الرسمية والأوساط الفكرية.
الثلاثاء الماضي، أثنى وزير الأمن الإسلامي آية الله محمود علاوي على استراتيجية الإمام الحسن، في إشارة لاتفاق الإمام الحسن بن علي مع معاوية بن أبي سفيان، باعتبارها جاءت «من وحي إلهي». وقال الوزير: «إمام الأمة لا يحتاج إلى حالة سمو دائم. فهناك أوقات يكون فيها ركوع الإمام مصدر إلهام لأتباعه».
هناك دلائل أخرى على أن خامنئي ربما يفكر فيما سماه «المرونة البطولية» حيث جرى تجهيز آلة الدعاية الرسمية بالفعل للمطالبة بانتصار الجمهورية الإسلامية. وذكرت وكالة الأنباء الرسمية في 21 مايو (أيار) أن «العالم يسمع بالفعل صوت كسر عظام أميركا».
علامة أخرى على نهج المرونة هي أن التاريخ الذي حدده «المرشد الأعلى» لاختفاء إسرائيل من على وجه الأرض قد امتد حتى عام 2050. والأهم من ذلك أنه قيل مؤخراً إن «اختفاء» إسرائيل سيأتي في الوقت نفسه كـ«نهاية أميركا». 
وفي كلمته أمام حشد كبير الأسبوع الماضي، أكد الجنرال حميد أبازاري، أحد الخبراء الاستراتيجيين في «الحرس الثوري الإسلامي»، أن «إيران الإسلامية ستشهد سقوط الشيطان، وستلتهم الأرض أميركا وستُغتصب إسرائيل في عام 2050».
هل ينبغي علينا أن نعتبر كل ذلك خبراً ساراً؟
ليس بالضرورة كذلك، فلطالما كان للجنون الخميني أشكاله التي تشمل الاستسلام المدقع عند الضغط بشدة، والعدوان الجريء عندما يخفف الضغط. التحدي الذي يواجه إيران هو التخلص من هذا الجنون تماماً، لأن كل حلقة من حلقات الغش والتراجع قد تجعل العلاج في النهاية أكثر صعوبة.
على عكس مزاعم اللوبي المؤيد للملا في واشنطن، فإن الخيار ليس بين الاستسلام لجنون الخمينيين والغزو الكامل لإيران. فقط عندما يتم الوصول إلى حد الألم المحتمل، حينها قد يعيد «المرشد الأعلى» النظر في خياراته، وهي المرحلة التي لم نصل إليها بعد.

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيارات إيران والتحدي المدمر خيارات إيران والتحدي المدمر



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab