إردوغان وحكمة الخروج في الوقت المناسب

إردوغان وحكمة الخروج في الوقت المناسب

إردوغان وحكمة الخروج في الوقت المناسب

 العرب اليوم -

إردوغان وحكمة الخروج في الوقت المناسب

بقلم - أمير طاهري

لو أننا نظرنا إلى التاريخ باعتباره مسرحاً تُعرض عليه دراما الوجود الإنساني فحريٌّ بنا أن نلتفت إلى نصيحة أسداها المخرج المسرحي الألماني الأسطوري ماكس راينهاردت، إلى الممثلين، وهي أن طريقة مغادرة المسرح لا تقل أهمية عن طريقة دخوله.
فقط تخيلْ لو أن يوليوس قيصر خرج من المسرح قبل سنة واحدة من اغتياله عام 44 قبل الميلاد لكان التاريخ تذكَّره كقائد داوى جراح الحرب الأهلية الأكثر دموية في روما، ولكان قد وضع الأسس لإمبراطورية قادرة على الهيمنة على العالم لعدة قرون.
وماذا عن وينستون تشرشل؟ لو أنه تقاعد عام 1945 بعد أن قاد بريطانيا العظمى للانتصار على ألمانيا النازية لكان قد تجنب هزيمة مذلة في أول انتخابات عامة جرت بعد الحرب. وعلى النقيض، هناك الكثير من المواقف التاريخية التي يمكن الإشارة إليها بوصفها مخارج «مفترضة» في الوقت المناسب: مثلاً الجنرال شارل ديغول يسلم مفاتيح الإليزيه عام 1967 بدلاً من عام 1968. ومحمد رضا شاه يتنحّى عن منصبه عام 1977. وفي الوقت الحالي، رجب طيب إردوغان في تركيا يتنحى عن منصبه عام 2015.
المشكلة تكمن في أن إردوغان قد فاته المثل الأعلى الذي يتعلم منه متى وكيف يخرج في نهاية المطاف. ولكن ثمة شيء واحد مؤكد هو أن الساعة الرملية في حياته المهنية باتت تتدفق سريعاً.
وكما هو الحال في المواقف الأخرى التي لا يُحسن فيها القادة وقت الخروج، فإن لإردوغان إنجازاته البارزة. ليس من باب المبالغة الادعاء - إذا نحّينا جانباً مصطفى كمال أتاتورك - أن إردوغان هو الزعيم الأكثر تأثيراً في مصير تركيا الحديثة. من المعروف أن بعض إنجازات إردوغان تحتاج إلى الكثير من التفاصيل، من بينها مضاعفة حجم الاقتصاد التركي في غضون عقدين فقط، ووضع نهاية جزئية لحرب داخلية طويلة استنزفت جيلاً كاملاً مع الأكراد، وهو إنجاز آخر يضاف إلى إنجازاته. 
ومع ذلك، أعتقد أن الحدث الأكثر أهمية خلال عهد إردوغان هو التأسيس الثابت لصندوق الاقتراع باعتباره المصدر النهائي للقوة في تركيا. ربما حدث ذلك على الرغم من أمنيات إردوغان الظاهرة في الاستحواذ على الأصوات في إسطنبول كما شاهدنا جميعاً في الانتخابات البلدية الأخيرة والتي حاول جاهداً خلالها تحريف النتائج لصالح حزبه.
كانت الجمهورية التي أنشأها أتاتورك دون تفاهم شعبي، ناهيك بالدعم النشط، ليست سوى حكم استبدادي ذي قشرة ديمقراطية أكثر منه نظاماً تعددياً فعالاً. فخلال ربع قرن من تأسيسها، كانت جمهورية تركيا دولة الحزب الواحد، حيث فاز حزب أتاتورك الجمهوري الشعبي بأربعة أخماس المقاعد في الانتخابات العامة المتعاقبة. جرى خلال تلك الانتخابات تهميش تركيا الزراعية والتي ما زالت دينية لصالح النصف الحضري المتزايد والأكثر علمانية. تمكنت تركيا «الرجعية» من تنظيم مرحلة دخول مثيرة في الانتخابات العامة عام 1950 عندما فاز الحزب الديمقراطي بأربعة أخماس المقاعد في الجمعية الوطنية الكبرى (البرلمان)، وللمرة الأولى شكّلت الحكومة الوطنية.
كررت تركيا «الرجعية» النجاح المذهل عام 1954 بزيادة أغلبيتها، ومرة أخرى عام 1957، مما أثار مخاوف كبار القادة والعديد من مراقبي تركيا من أن الفكر الكمالي (نسبةً إلى كمال أتاتورك) المحدث لن يعود إلى السلطة أبداً، وكانت تلك المخاوف مصدر إلهام للانقلاب العسكري الذي جرى عام 1960 بقيادة اللواء جمال غورسيل، رئيس الأركان، ضد حكومة الرئيس جلال بايار.
كان كبار الضباط قد وافقوا بالفعل على تشكيل حكومة مؤقتة يقرها حزب «الشعب الجمهوري» قبل أن يُطلب من الدبابات أن تتحرك داخل أنقرة. وقد لوحظ تكرار نمط مماثل عام 1971 عندما أمر زعيم الانقلاب الجنرال ميموه تاجماك الساسة بتشكيل حكومة جديدة تحت إشراف الجيش. وأدى انقلاب عام 1980 بقيادة الجنرال إيفرين إلى تشكيل حكومة غالبيتها من التكنوقراطيين، لكنها تمتعت بدعم سياسي.
تجنب الجيش التركي دائماً الحكم المباشر، ولم يسعَ إلا لرئاسة الجمهورية التي ظلت منصباً شرفياً حتى منحها إردوغان قوة تنفيذية.
خلقت الأحداث التي جرت خلال الفترة من 1960 - 1980 انطباعاً بأن قوى التحديث التركية بقيادة «حزب الشعب الجمهوري» لن تفوز أبداً بالسلطة دون دعم من الجيش.
ربما تساعد الانتخابات البلدية الأخيرة في إسطنبول، أكبر مدن البلاد والعاصمة الثقافية وموطن ما يقرب من ربع السكان، في تغيير هذا التصور. فلأول مرة منذ فترة طويلة، وبقيادة تحالف المعارضة، فاز مرشح «حزب الشعب الجمهوري» بمنصب المحافظ أكرم إمام أوغلو، دون إيماءة أو غمزة من الجيش. ويمكن القول إن هذا النصر قد تحقق بفضل الأمل والمصالحة والإصلاح، لا اليأس والانتقام والتخيلات المتآمرة الشائعة في الانتخابات التركية الأخيرة. والأهم من ذلك أن إردوغان، ربما استطاع أو أُجبر على احتواء غضبه وقبول هزيمة حزب «العدالة والتنمية» في نهاية المطاف.
يصر خصوم إردوغان على أنه اضطر إلى ابتلاع الهزيمة في إسطنبول لأنه افتقر إلى القوة لمواصلة تحدي النتائج.
قد يكونون على حق، لكن ماذا لو تحول إردوغان إلى فكرة تناوب السلطة من خلال الانتخابات؟
قد يكون إردوغان ذكياً بما يكفي لفهم أن الأمور لا تسير دائماً بالطريقة التي يتمناها المرء. لقد قاد انتعاشاً اقتصادياً ملحوظاً في تركيا لكنه يقود الآن ما يشبه الانهيار الاقتصادي مع التضخم المتفشي وانخفاض الإنتاجية وتقلص فرص العمل. وبدلاً من تهدئة الأمور، كثّف إردوغان من تحركاته الاستبدادية بما في ذلك عزل محافظ البنك المركزي ليفاقم الأزمة. جرى استبدال سياسة تبدو عازمة على تأليب الجميع ضد تركيا بسياسته الخارجية «لا أعداء»، بما في ذلك حلفاء حلف شمال الأطلسي «ناتو» وشركاء الاتحاد الأوروبي، ناهيك بالدول العربية. يبدو أن النجاح الآخر الذي حمل توقيعه، وهو تهدئة المرجل الكردي، بات شيئاً من الماضي حيث تجنِّد أنقرة دعم طهران لقمع تطلعات الأكراد.
إن ادّعاء حزبه أنه «أكثر بياضاً من البيض» يصعب استمراره لأن حاشيته تغوص في الفساد. والأهم من ذلك أن نجاحه في إقناع النصف «الرجعي» في تركيا بأنه قادر على الحصول على السلطة من خلال الانتخابات لم يعد يتمتع بنفس المستوى من الدعم الذي كان يتمتع به ذات يوم حتى في دولة الأناضول العميقة.
سواء كانت جيدة أم سيئة، يبدو أن وصفة إردوغان التي كانت ناجحة ذات يوم لم تعد كذلك.
لقد قرأ بطل العرض نصه ولعب دوره ولم يعد لديه ما ينطق به، لكن المسرحية يجب أن تستمر. وبالنسبة إلى إردوغان، فقد حان وقت الخروج من المسرح.

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إردوغان وحكمة الخروج في الوقت المناسب إردوغان وحكمة الخروج في الوقت المناسب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab