بقلم - إنعام كجه جي
و«الإمام الشاب» عنوان فيلم فرنسي جديد يعتمد على حكاية بسيطة لكنها مهمة ومؤلمة. إنَّها عن أولئك الذين يستغلون فقراء المهاجرين ويأخذونهم لأداء فريضة الحج مقابل مبالغ باهظة. وأمام الحضور المتزايد للمسلمين في فرنسا، صار من الطبيعي أن تكون تفاصيل حياتهم ومشكلاتهم موضوعاً للعديد من الأفلام والروايات وملفات الصحف وبرامج التلفزيون.
الفيلم من إخراج الفرنسي كيم شابيرون وبطولة الممثل الأفريقي الأصل عبد الله سيسوكو. وفيه يؤدي دور علي، المراهق ابن الرابعة عشرة الذي يسرق محفظة الإمام عبد العزيز. اجتمع الجيران في شقة مدام ديالو، والدة علي، للاحتفال بتقاعد الإمام العجوز وانتهى الاجتماع بفضيحة.
يعفو عبد العزيز عن علي ويرفض اتهامه بالسرقة. لكن والدته، العاملة الأفريقية الصارمة التي تربي ولداً وبنتين من دون مساعدة رجل، تشعر بالخزي من فعلة ولدها. تلعنه وتجلده بالحزام وتقرر معاقبته بإرساله إلى أعمامه في مالي. هناك سيعيش حياة الشظف في القرية ويتأدب. يطلب منه الشيخ في المدرسة القرآنية أن يأكل اللقمة بيده اليمنى. لكنه أعسر. مع هذا يطيع الأمر.
عقاب استمر سنوات كانت كافية لأن يقترب الولد من تعاليم دينه بل ويصبح فقيهاً. يرجع إلى فرنسا وهو في الرابعة والعشرين. ذهب بإهاب وعاد بإهاب آخر. ينبهر أهل الحي بحفظه للقرآن وبصوته الجميل في التلاوة. إن فيه صفات لا تتوفر في أي من مرشديهم. وهو يجيد التفسير وشرح الآيات بلغة فرنسية واضحة. وهكذا يصبح الشاب العائد من مالي إماماً لجامع الحي والخطيب الذي يلقي مواعظ تحرّك القلوب. يقول لهم إن الدين في خدمة الحياة وليس العكس. إن المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده. هل يعجبهم كلامه؟ لا، فهناك من يشعر بأن الإمام الشاب يفتح أعين المصلين، وهو قد يهدد مصالح بعض المنتفعين من غفلة البسطاء. يقف أحدهم ويصيح: «لا أحب ما تقول... غداً سأصلي في جامع آخر».
يتفق علي مع صديق له على تنظيم رحلات للحج بأسعار أقل وخدمات أفضل. إن حصة مسلمي فرنسا محددة لكن هناك دولاً في أوروبا الشرقية لا تستوفي حصصها. وهو ما يستفيد منه الإمام الشاب الذي ينجح في تنظيم رحلة لعدد كبير من أهالي الحي، يعودون وهم في بالغ السعادة والرضى، يستقبلهم الأهل والجيران بالتبريك والزغاريد. رحلة وحيدة تعقبها مأساة. يتآمر خصوم علي عليه ويسرّبون تأشيرات مزورة لحجاج الدفعة الثانية. تعترضهم شرطة الحدود وتمنعهم من ركوب الطائرة. يتحول الإمام الشاب من قدوة إلى ملعون يخدع الحجاج.
يأتي الفيلم في وقت يتصاعد فيه الجدل حول الهجرة واختلاف الثقافات. تعلو أصوات ممثلي اليمين المتطرف ضد الملايين السبعة من المسلمين الذين باتوا يشكلون عشرة في المائة من ساكني البلاد. في فرنسا اليوم 2600 مسجد و1800 إمام. يتداول المتحدثون مصطلح الإسلاموفوبيا. أي الخوف من الإسلام. واقع لم يكن موجوداً منتصف القرن الماضي، حين احتاجت فرنسا لمئات الآلاف من الأيدي المغربية العاملة لترميم آثار الحرب العالمية. برزت المشكلة مع الجيل الثالث من أبنائهم، أي مع الأحفاد المتأثرين بتيارات واردة من الخارج.
آخر مستجدات تسييس الدين قضية «العباية». أي الزي الجديد للطالبات الذي انتشر فجأة في المدن ذات الوجود الكثيف من المهاجرين. ثوب طويل عريض قاتم ذو جناحين، صار موضوعاً للمعلقين في نشرات الأخبار. تضاف مفردة العباية إلى القاموس اللغوي الفرنسي بعد البرقع والقفطان والجلابة والحجاب والنقاب و... البوركيني.