بقلم : إنعام كجه جي
قبل سبع سنوات تقريباً، قرأت قصة قصيرة نشرها في «فيسبوك» القاص والروائي العراقي أحمد خلف، عنوانها «مشهد توصيفي لممثلة عارية».
هل يجوز للكاتب أن يستغرق في توصيف انجذابه إلى نجمة عالمية، في حين تغرق مدينته في الموت اليومي؟ السؤال ليس من عندي بل يأتي ضمن القصة على لسان شابة معجبة تتصل بالكاتب هاتفياً. تسأله عما يكتب ويجيبها: «أكتب مشهداً وصفياً عن ممثلة أجنبية شاهدتها عارية في أحد الأفلام، وتمكنتُ من الحصول على الصورة عينها. ما زلت أحتفظ بها منذ أربعين عاماً. يمكن للإنسان أن يكون وفياً للأشياء التي يحبها، وأن يعطي للقلب نصيبه وللعقل حقه. هل سمعتِ باسم الممثلة الفرنسية صوفي مارسو؟».
تعترض المعجبة على اهتمام الكاتب بنجمة تعاقبت عليها الأعوام وذبل جمالها. يتشنج صوتها وتقول: «إن الفكرة غير مناسبة لحياة نعيشها كما يعيش المطرود من الجنة. ما علاقتك بممثلة كان عمرها سبعة عشر عاماً عندما أحببتها واليوم عمرها خمسون؟ خمسون مرة يقتل فيها ضحايانا ثم خمسون أخرى ينسفون المنازل والبنايات والمدينة تحترق بالموت المستمر. كيف ترتضي الكتابة بهذه الروح اللامبالية؟».
تنتهي المكالمة ويغرق المؤلف في أفكاره. يعترف أن كثيرين عاتبوه حين نشر القصة. بعض العتب من الأصدقاء وأغلبه ممن تحركهم مشاعر الغيرة. إنهم لا يعرفون أن الحدث وقع في عز الحرب مع إيران، حين كان يؤدي خدمته الإلزامية في الجيش. ومثل كثير من الجنود المهددين، كان يهرب من واقعه عبر التشبث بأي ذكرى جميلة.
«تزورني صوفي في اليقظة والأحلام. أحمل صورتها متلذذاً بابتسامتها المشرقة والنظرة المدهشة لفتاة تدرك معنى أن تكون جميلة. أتلظى وهي تتخذ جلستها أمامي كتمثال من الفضة. يا للجسد المتسيّد على بشر منشغلين عن مصائرهم. ترى ماذا ستقول صوفي وهي تنظر حالة رجل في عزلة؟».
ماذا ستقول صوفي لو قرأت هذه القصة؟ جندي مجبور هو أيضاً كاتب مبدع يتخذ صورتها تميمة ضد الخوف والوحشة والموت. دار السؤال في رأسي بإلحاح. وأنا أعرف رأسي عندما تشتعل فيه اللمبة الحمراء. كنت قد أمضيت أوقاتاً طيبة مع روايات خلف ومجموعاته القصصية، وحان الوقت لمبادلته الجميل. أرسلت القصة إلى الصديق المترجم القدير محمد السعدي. ثم أعطيت الترجمة للصديق فرنسوا زبال، رئيس تحرير مجلة «قنطرة» التي تصدر بالفرنسية عن معهد العالم العربي.
بحثت عن عنوان الوكيل الصحافي للممثلة الشهيرة وأرسلت لها نسخة من المجلة مع كلمة موجزة عن الكاتب العراقي. ولم يمض أسبوعان حتى وصلني مغلف فيه صورة لصوفي مارسو مع إهداء بخطها إلى أحمد خلف. مسحت الصورة إلكترونياً وبعثتها له بالماسنجر، على أمل تسليمه النسخة الأصلية عندما نلتقي.
لم نلتق. فنهار الثلاثاء الماضي شُيعت جنازة الكاتب الجميل الدمث من أمام اتحاد الأدباء في بغداد. وما زالت الأمانة عندي.