جاري الشاعر

جاري الشاعر

جاري الشاعر

 العرب اليوم -

جاري الشاعر

بقلم : إنعام كجه جي

 

تسعدني تلك الكتيبات الصغيرة التي يدسّها جاري، بين آونة وأخرى، في صندوق بريدي. إن جاري مسيو كافاييه مدرّس متقاعد وشاعر. إنسان لا يُسمع له صوت، يمكن اختصاره بما يلي: ابتسامة مقتضبة وطاقية من الصوف وحقيبة قديمة معلقة على الكتف. يبدو لي كأنه ساعي بريد في زمن انقرضت فيه المكاتيب الورقية مثلما توارى الشعر من رفوف المكتبات.

هل يطبع جاري مجموعاته على نفقته؟ لم أجرؤ على السؤال. إنها دفيترات يمكن احتواؤها في راحة اليد. صفحاتها ليست ملصقة بالصمغ، بل يجمعها خيط من الكتّان. أتأمل طرفي الخيط السائبين، عمداً، خارج الورق، وأشعر برهافة المشاعر قبل فتح الصفحات. نعم إن الصفحات مغلقة من الأعلى وتحتاج سكيناً من النوع الذي يُستعمل في فض الأغلفة. متى كانت آخر مرة فضضت فيها كتاباً يتكتم على محتواه؟

يلفت الشاعر نظرنا إلى أن مسطرة قطع الورق في اللغة الفرنسية مشابهة لمفردة المقصلة. وللفرنسيين ذكريات مريرة مع آلة الموت التي حزّت رقاب الأمراء والنبلاء بعد الثورة، وبينها الجيد الناعم للملكة المرفهة ماري أنطوانيت. بدأ استخدام المقصلة أواخر القرن الثامن عشر لتنفيذ أحكام الإعدام ولم تتقاعد حتى 1977. يعني أول من أمس.

عنوان المجموعة «رصانة». وهناك قصيدة طويلة يهديها الشاعر إلى «أريان في المتاهة». وأريان المقصودة هي تلك الجميلة ذات الخصلات اللولبية التي ورد ذكرها بشكل عابر في إلياذة هوميروس. أبوها مينوس ملك كريت وجدها هيليوس إله الشمس. لكنها لم تكن من جنس الآلهة؛ بل أميرة فانية. عشقت البطل تيزيه وساندته في معركته مع مينوتور، المخلوق الذي كان نصف رجل ونصف ثور. ساعدته في الخروج من المتاهة، لكنه هجرها بعد النصر. تركها وحيدة في جزيرة. ولا تسألوني ترجمة مقاطع من القصيدة، لأن مفرداتها المبهمة فوق طاقتي. كل كلمة تتآلف مع جارتها ناحية اليمين وتتنافر مع جارتها ناحية اليسار.

من يقتني هذه الكتيبات؟ ومن يفكّ ألغازها؟ كنت، حين أجد نفسي عاجزة عن فهم قصيدة جاهلية بمفردات منقرضة، أو مقطوعة حلمنتيشية من قصيدة النثر، أكتفي بقناعتي أن المعنى في قلب الشاعر. يكتبون بالعربية التي هي لغتي، ولا يصلون إلي. هناك فجوات في القنطرة. لعلّ العيب فيّ لا فيهم.

أمس التقيت مسيو كافاييه في مدخل العمارة وشكرته على هديته. قلت له إنني من بلد يعشق الشعر. يحترم الشعراء ويكرّمهم. ويحدث أن يعاقبهم على تلكؤ الموهبة. وقد كان الشعر، حتى وقت قريب، رياضتنا القومية. ثم تراجعت القصيدة الفصيحة أمام طوفان الشعر الشعبي. اكتفيت بهذا القدر ولم أفصح لجاري الشاعر أن مشروبنا الوطني يدعى «حليب سباع». لكن حرمنا منه ومن باقي أخواته.

arabstoday

GMT 19:26 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

مواعيد إغلاق المقاهى.. بلا تطبيق

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

المطلوب

GMT 19:24 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

البابا فرنسيس والسلام مع الإسلام

GMT 19:23 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

الإحساس في كلام عبّاس

GMT 19:23 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

خيار الفاتيكان القادم: الكرازة أم التعاليم؟

GMT 19:21 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

السوداني والإخوة الحائرون

GMT 19:21 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

... والجامعيون أيضاً أيها الرئيس!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جاري الشاعر جاري الشاعر



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 04:47 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 25 إبريل / نيسان 2025

GMT 17:02 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

صعود طفيف لأسعار النفط بعد انخفاض 2%

GMT 10:33 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab