230 ريشة في المهبّ

230 ريشة في المهبّ

230 ريشة في المهبّ

 العرب اليوم -

230 ريشة في المهبّ

إنعام كجه جي
بقلم - إنعام كجه جي

بعد ثلاثة أسابيع من الصدّ والردّ، وافقت السلطات الفرنسية على السماح لسفينة مهاجرين بالرسو في ميناء تولون، جنوب البلاد. 230 امرأة ورجلاً، بينهم 57 طفلاً، كانوا يفترشون قاع السفينة مثل المواشي، وينتظرون الفرج. جاعوا وعطشوا ومرضوا وهجسوا بالموت يرفرف فوق رؤوسهم. تحملوا وتمسكوا بالأمل؛ أن يهبطوا على أرض تعترف بهم كبشر.
خلال ثلاثة أسابيع، كانت كل من فرنسا وإيطاليا تبعد السفينة عن سواحلها وترفض استقبالها. ريشة في مهب الريح. والبحر الأبيض ساحة كرة مضرب، باريس ترمي وروما تصدّ. وهي ليست أول مباراة من نوعها. لعبة متوحشة بين متحضرين. شاهدنا في السابق ما يشبهها في البحار، ورأينا أفلاماً استفادت من عبثية الواقع.
رئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة، وريثة موسوليني، كانت واضحة في رفضها استقبال لاجئين معدمين من أفريقيا وآسيا لأنهم من ثقافة أخرى. لقد اكتفت سواحلها بحصتها من مئات الآلاف وترفض المزيد. وهي قد بنت حملتها الانتخابية على إغلاق السواحل والحدود بوجه «الطارئين». أما فرنسا، فقد وافقت على رسو السفينة بشكل «استثنائي»، كما قال وزير داخليتها، وبدافع «الواجب الإنساني». قرار أثار حفيظة اليمين الفرنسي المتطرف، فخرجت زعيمته، مارين لوبين، تصرخ وتندد بـ«التراخي».
إن الإنسانية وجهة نظر. والعنصرية كانت مفهوماً واضحاً محدداً لا يقبل التمويه. لا درجات فيها. هي ليست شريحة لحم يطلبها الزبون حسب الرغبة: مستوية بالكامل أو نصف استواء أو حمراء بدمها. إما أن يكون المرء عنصرياً أو لا يكون. وللأمم مع العنصرية تاريخ طويل. لا أعراق نجت منها. ثم تغير الزمن وتفتحت الأذهان وتهذبت النوازع. تعرفت الشعوب على جيرانها في الكرة الأرضية، وأصبح العالم قرية توصف بالصغيرة. صارت صفة «عنصري» شتيمة. وفي القارة الجديدة، أميركا، سقطت الجدران بين البيض والسود.
ورحلة الزمن متواصلة. نشأت حروب وانطلقت هجرات وتوسعت الأطماع بثروات الأرض. الأقوى يستعمر ويستحوذ، والأضعف يصبح عبداً. وقعت مجاعات وأوبئة، واشتعلت ثورات. انسحب الرجل الأبيض من القارة السوداء والدول السمراء والجزر الصفراء. خرج مكرهاً لا بطلاً. خلّف وراءه، في الغالب، خراباً ونزاعات. ضاعت الثروات في جيوب الفاسدين، وراح الجياع والمحرومون يطلبون اللقمة حيثما كانت. وهكذا صرنا نسمع: «أنت تأتي عندي لتسرق لقمتي وفرصة عملي ومستقبل أبنائي». عادت العنصرية في صور بالغة الحداثة. تمييز يُمارس باسم الحضارة والحفاظ على القيم واختلاف الثقافات.
قبل أربعين سنة، رفعت فئة من الفرنسيين شعار «محمد خذ حقيبتك»، أي ارحل. ولم يرحل محمد الذي يرصف الطرقات ويبني العمارات ويحمل الأثقال ويكنس الشوارع. جاء بأسرته، وازداد عدد أطفاله. صار اسمه في صدارة أسماء المواليد الجدد. بينهم من أصبح بطل كرة ونجم غناء. وخرجت قلة عن طوع الوالدين الطيبين وانحرفت. وصلت أذرع الإرهاب، وكان هناك مَن استغل الوضع. اشتغلت ماكينات سياسية وعقائدية وراحت تنفخ في النار. خاف الفرنسي البسيط من صرخة: «جاءك الذئب». وفي الانتخابات الأخيرة نزل إريك زمور مرشحاً للرئاسة. عنصري أعتى من مارين ولا يخجل من هذه الصفة.
إن حديث الساعة، في نشرات الأخبار، هو كيف ستتقاسم فرنسا 230 روحاً قذف بها البحر إليها. ستدرس كل روح على حدة، وتأخذ مَن يناسبها. وسيُشحن الباقي حصصاً تُوزع على ألمانيا وآيرلندا والبرتغال ورومانيا وبلغاريا ولوكسمبورغ وكرواتيا وليتوانيا ومالطا و... لله يا محسنين.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

230 ريشة في المهبّ 230 ريشة في المهبّ



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 08:52 2025 السبت ,26 إبريل / نيسان

قادة العالم يشاركون في جنازة البابا فرنسيس
 العرب اليوم - قادة العالم يشاركون في جنازة البابا فرنسيس

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 04:47 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 25 إبريل / نيسان 2025

GMT 17:02 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

صعود طفيف لأسعار النفط بعد انخفاض 2%

GMT 10:33 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab