بقلم - إنعام كجه جي
أمسكت بيدها صابونة «لوكس» وراحت تمررها على وجنتيها وكتفها العارية القريبة من الكاميرا. كان ذلك أول إعلان رأيته على شاشة تلفزيون بغداد في طفولتي. وجاء فيه أن تسعين في المائة من نجمات هوليوود يعتمدن على «لوكس» في جمالهن. نذهب إلى بيت عمتي لنتفرج على ذلك الجهاز العجيب الذي لم يكن قد انتشر في كل البيوت. ولم نكن نحن الصغيرات نعرف مَن تكون كلير بلوم ولا كانت أمهاتنا وجاراتنا يعرفنها. لكنهن صدّقن أن تلك الصابونة تحمل سر نعومة وجه تلك المرأة وبياض بشرتها.
هي ممثلة بريطانية، تزوجت ثلاث مرات وكان الأول هو زميلها رود شتايغر. عاشت قصص حب مع ريتشارد برتون ولورنس أوليفييه، وهما من هما في ميزان الإبداع. ظهرت في «عربة اسمها الرغبة» وأدت بطولات في مسرحيات شكسبير. كتب النقاد أنها أفضل «جولييت» بين كل الممثلات اللاتي عشقن «روميو». أبحث عنها في «غوغل» ويخبرني أنها في الحادية والتسعين وما زالت بيننا. واحدة من ناجيات العصر الذهبي لهوليوود.
لم يكن مألوفاً، في تلك الفترة من أواخر خمسينات القرن الماضي، أن تتقاسم نجمتان إعلاناً تجارياً واحداً. إنها للممثلات والممثلين الذين تتاح لهم صفقة لا تُقاوم. أو لأولئك الذين في أول السلّم. وظهر براد بت في إعلان لرقائق البطاطا قبل أن يصبح من أعلى الممثلين أجراً، وبدأ ليوناردو ديكابريو خطواته بإعلان لسيارة يابانية، ومثلهما بروس ويليس وشارون ستون وجون ترافولتا وآرنولد شوارزنيغر.
بين النجوم مَن يرتضي العمل في الإعلانات بعد التقدم في السن وانحسار الأضواء. وكان مؤلماً أن يظهر عمر الشريف في إعلان فرنسي لمضمار سباق الخيل. ثم تغيّر الزمن ولم يعد المشاهير يأنفون من الإعلانات. يقدم جورج كلوني دعاية لنوع من القهوة ويقبض مقابلها 40 مليون دولار. قال الممثل الناشط في العمل الإنساني إنه أنفق معظم المال الذي كسبه من الإعلانات، يومذاك، في دعم أقمار صناعية تراقب جنوب السودان وتجاوزات الرئيس السابق عمر البشير.
لا يقل مخرجو الإعلانات براعة عن مخرجي الأفلام الروائية في روعة التصوير وذكاء التعليق. أبدعت أوما ثورمان في دعاية لمشروب غازي وكان لها الفضل في ارتفاع مبيعاته. لكن غواية الإعلانات لا تقتصر على نجوم الشاشة. ولم يجد الرئيس السوفياتي الأسبق غورباتشوف حرجاً في أن يظهر في لقطات دعائية لحقيبة سفر فرنسية باهظة الثمن. هل نتخيل رئيساً عربياً مخلوعاً في دعاية لسيارة مصفحة أو سترة واقية من الرصاص؟ طغت الإعلانات التجارية، في الموسم الرمضاني الحالي، على المسلسلات في التلفزيون. لم تعد ومضات تمرّ في أقل من دقيقة بل مطولات لا تأبه بالوقت وأسعار الثواني. أغوت الممثلين والمطربين بعروض من ذهب. وسواء دار رأس المتفرج وهو يشاهد العمائر والشقق والمتنزهات بالغة الفخامة في الإعلان، فإن من الإنصاف ملاحظة براعة التصوير والرقصات والأزياء ولطف الألحان وكلمات الأغاني. ميزانيات ضخمة تفوق ما ينفق على الأفلام. ومنذ أن دخلت مفردة «إبهار» في قاموس الإنتاج الفني تحوّلت الأعمال إلى مصائد لاقتناص الجمهور بكل الوسائل. اشتعل التنافس على فساتين السهرة والتسريحات وعمليات التجميل التي امتدت إلى الرجال. يحتاج المتفرج إلى وقت قبل أن يكتشف أن هذا هو فلان وتلك هي فلانة.
ظهرت شريهان في رمضان الماضي ورفعها الراقصون على الأكتاف فأبدعت ورفعت الإعلان على كاهلها. وحالياً نرى ممثلات وممثلين كباراً يتشاركون في إعلان واحد وكأن صاحبه يتعامل معهم بعقلية «الكيلو». منتج أوحد يحرك كل الخيوط.