بقلم: إنعام كجه جي
ليس هناك من هو أكثر مداهنة من السياسيين، خصوصاً حين تقترب الانتخابات. والسياسيات لسن بأفضل من زملائهن. وها هي الفرنسية فاليري بيكريس، المرشحة لرئاسة الجمهورية، تعطي مثلاً على ذلك. كان من الطبيعي لامرأة ووزيرة سابقة ونائبة في البرلمان، أن تساند بنات جنسها في حملتهن ضد المتحرشين. لكنها وافقت على الظهور في برنامج يقدمه نجم تلفزيوني متهم بالتحرش.
ليست هذه أولى الفضائح الجنسية في أوساط الإعلاميين والوزراء ورؤساء البلديات والفنانين. ولو لوحق كل متحرش، مستتر أو مكشوف، فقد لا يبقى في فرنسا تلفزيون ولا مسرح ولا سينما ولا شخصيات سياسية. لكن القاعدة القانونية تنص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وهنا لب المشكلة. من هو المتغزل الظريف ومن هو زير النساء؟
يعتبر الفرنسيون أنفسهم سادة الغزل. أين منهم شاعرنا عمر بن أبي ربيعة؟ وحين بدأت في الولايات المتحدة حركة «مي تو» استقبلتها أوساط فرنسية معينة بالدهشة والاستخفاف. ما الذي يبقى من العلاقة بين الجنسين إذا حذفنا منها الغواية؟ يومها، بادرت مجموعة من مشاهير الفرنسيات، بينهن نجمة السينما كاترين دينوف، إلى نشر بيان بهذا المعنى، يدعو إلى التسامح مع الرجال الذين يتوددون إلى النساء، لأن المناورة هي أساس اللعبة العاطفية. هل هناك فرنسية لا تطرب للغزل ونظرات الإعجاب؟
تلقت دينوف تقريع الجمعيات النسائية. وانطلقت في فرنسا حملة وطنية مماثلة لما يحدث في أميركا، شعارها «افضحي الخنزير». ومن يومها والكشوفات المدهشة تحتل عناوين الأخبار. تسترجع نساء معروفات عقوداً ماضية ويشتكين من أن فلاناً من وجوه المجتمع أغراهن وغرر بهن أيام شبابهن. لماذا سكتن كل هذه السنوات؟ لأن المتحرش ذو نفوذ وقد خشين أن يفقدن وظائفهن.
تقود فاليري بيكريس حركة «لنكن أحراراً». وهي قد جلست أمام الصحافي التلفزيوني «المتحرش» جان جاك بوردان، وأجابت عن أسئلته في برنامج مسائي جديد استقطب أكثر من نصف مليون مشاهد. هل نقضت المرشحة مبادئ الأخلاق لصالح الدعاية الانتخابية لنفسها؟ ففي النهار ذاته أعلنت نيابة باريس عن فتح تحقيق في قضية اعتداء جنسي تقدمت بها صحافية كانت تعمل مع بوردان.
قررت بيكريس أن تحضر البرنامج شرط أن تفتح موضوع التحرش. وجلست مرشحة اليمين للرئاسة في مواجهة «الذئب» المفترض، مرتدية سترة حمراء. قالت إنها استمعت إلى بوردان ينفي التهمة الموجهة له. وهو أمر يحسمه القضاء وحق الدفاع مكفول لكل مواطن. وفي حال أدين، فإن التهمة خطيرة، ويجب أن يُعاقب. وعدَت المرشحة ناخباتها بأنها ستجعل من محاربة العنف الذي تتعرض له النساء قضيتها. ذلك أن المجتمع يشيح بوجهه عنها ويغمض عينيه. لهذا تتردد النساء في التقدم بشكاوى.
أعلنت بيكريس: «كرئيسة لكل الفرنسيين، لن أدع امرأة تخشى رفع قضية تحرش. انتهى قانون الصمت. ولكي يتحرر الكلام لا بد أن تشعر النساء بأنهن مسنودات. ومعي... سيكن»!
وعود انتخابية وكلام تلفزيونات؟ لا أحد يعرف حظوظ المرشحة في الفوز، ولا استعداد الفرنسيين لأن تحكمهم امرأة. لكن فاليري بيكريس أنسب من منافستها مارين لوبين، مرشحة أقصى اليمين. وهي تجيد الروسية والإنجليزية، درست التجارة والاقتصاد وتعلمت اليابانية وسافرت إلى طوكيو لتدريب لسانها. عملت هناك بائعة لمستحضرات التجميل والأنبذة الفرنسية. فإذا أضفنا إلى ما تقدم أنها خريجة المعهد الوطني للإدارة، «مدرسة تخريج الوزراء الرؤساء»، فقد يكون للفرنسيين، في الربيع المقبل، ساكنة في «الإليزيه» تطارد وحوش الغاب.