بقلم - إنعام كجه جي
توفي الأسبوع الماضي اللواء أسعد سليمان حسن عبد القادر، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، ودُفن في مقبرة شرق بيت لحم. قد لا يعني اسمه الحقيقي شيئاً لكن اسمه الحركي، صلاح التعمري، يعيد إلى الأذهان أنه الفدائي قائد «أطفال الآر بي جي». كان ذلك مطلع السبعينات. أشبال وزهرات في عمر الورد يلتحقون بمعسكرات للتدريب في لبنان، يتلقون تثقيفاً سياسياً ويعزفون الموسيقى ويحفظون أشعار محمود درويش. يتدربون أيضاً على الرماية بالرشاش والمدافع الخفيفة المحمولة على الكتف.
والمقاومة الفلسطينية يومذاك في أوج سطوعها. يأتي شبان وشابات من البرازيل واليابان وأوروبا ليلتحقوا بها. ومع الأشبال والزهرات أسس التعمري فرقة موسيقية. وفي تلك الفرقة عثر جون لوكاريه، الجاسوس البريطاني الذي أصبح روائياً شهيراً، على بطلة روايته «قارعة الطبل الصغيرة». تصلح حياة التعمري، باشتباكاتها وتشويقها، للسينما. أثارت سيرته اهتمام الصحافي الإسرائيلي أهرون برنياع فسجلها في كتاب بعنون «أن تقع سبيّاً». وفي الكتاب الكثير من التفاصيل.
درس التعمري الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة. قدّم أطروحة ماجستير عن «تي. إس إليوت» أراد العودة إلى بيت لحم والعمل معلماً لكن احتلال الضفة الغربية حرف المسار. انتقل إلى غور الأردن وعمل في صفوف المقاومة. وفي معركة «الكرامة»، ربيع 1968. تم تفجير البيت الذي كان فيه بالديناميت. طار البيت ونجا من الموت. كان مختبئاً تحت منضدة خشبية.
بدأت منظمة التحرير حملة إعلامية في أوروبا. كان التعمري من أركانها بفضل إجادته الإنجليزية. سافر إلى لندن، صيف 1968، مع وفد من منظمة التحرير وكان هناك حفل لتكريمهم في باحة كنيسة «سانت مارتين». رفض تلبية الدعوة حين علم أن ضيفة الشرف أميرة أردنية. تذكّر يوم طردته الشرطة الأردنية مع رفاقه من ساحة اللعب في بيت لحم. ضغط عليه أعضاء الوفد وقالوا: «إذا لم تحضر لن نحضر». ذهب إلى الحفل والتقى المرأة التي ستصبح زوجته. كانت دينا عبد الحميد، الزوجة الأولى للملك حسين ملك الأردن، تنشط في العمل لصالح القضية الفلسطينية.
في الأربعين من عمرها، لم يخطر ببالها أنها ستتزوج بعد طلاقها من الحسين... لكن القلب وما يهوى. رغم فارق العمر قامت بين الاثنين صداقة استمرت سنتين. كانت في لندن لتسجيل ابنتها الأميرة عالية في المدرسة حين اشتعلت أحداث «أيلول الأسود» في الأردن. أخذت طائرة وعادت إلى عمّان. ومرّت أيام طوال وهي لا تعرف شيئاً عن مصير صلاح. قالت لمؤلف الكتاب إنها اتخذت في تلك اللحظة قراراً حاسماً: «إذا عثرت عليه حياً فلن أفارقه». تمت مراسم الزواج عند غرفة بمدخل مخيم الحسين. أنجز العقد تحت تهديد السلاح. عرف أبو عمار بالخبر فصرخ في وجه التعمري: «هل جننت؟».
بعد هزيمة «فتح» أصبح البقاء في الأردن خطراً عليهما. قامت صديقة لدينا تجيد قيادة الطائرات بنقلها إلى لبنان على متن طائرة ذات محركين. أما هو فقد تسلل إلى سوريا ومنها إلى بيروت. استقرا في شقة في ضواحي صيدا ظلّت طوال عشر سنوات مفتوحة للجميع. كرّس التعمري وقته للاهتمام بالأشبال وتدريبهم. ولما اجتاحت إسرائيل لبنان ألقت القبض على أكثر من 200 صبي دون الخامسة عشرة، كانوا يطلقون قذائف «الآر بي جي» في اتجاه الدبابات الغازية.
وقع التعمري في الأسر وزارته الملكة السابقة في السجن الإسرائيلي. حملت له ثياباً والحلوى التي يحب. شاركت في التفاوض على أكبر عملية تبادل أسرى في التاريخ وحررت زوجها وثمانية آلاف من رفاقه. حين عاد إلى الضفة بقيت هي في عمّان. ولما توفي قبل أيام دفن في بلدته زعترة. وكانت دينا عبد الحميد قد فارقت الحياة قبل خمس سنوات ودفنت في المقابر الملكية.